أرباح كوفيد19 في ميزانيات البنوك

بقلم: دكتور حسام عطية، خبير مصرفي

كوفيد 19 أو فيروس كورونا … وأرباح البنوك ! ، هل يوجد فعلا علاقة بين كوفيد 19 وأرباح البنوك ؟  أم هو خطأ غير مقصود في عنوان  المقالة ! كلها تساؤلات مشروعة لقارئنا الفاضل ، حيث مجرد التحدث عن كوفيد19 دائما ما يصاحبه السلبيات فقط والذكريات غير السعيدة من الالام والامراض … والتي ندعو الله بانتهائها في القريب العاجل ، ولكن دعونا نبحث معاٌ في شي ربما يكون إيجابي لهذا الوباء من حيث علاقته بأرباح البنوك.

كيف استفادت البنوك من كوفيد 19

وفي هذه المقالة نبحث عن تأثير جديد لهذا الوباء وربما غير ظاهر للعيان ، وهو  هل فعلا أستفادت البنوك من تلك الظاهرة التي بدأت منذء 3 سنوات ومازالت مستمرة حتي الآن أم لا ؟، وقبل التطرق للتحاليل اللازمة لهذا التساؤل، دعونا نقدم  بعض التفسير المبسط للمصطلحات المتداولة في المناقشات الإجتماعية والإقتصادية:

الرقمنة الإقتصادية Economic Digitization، ونعني بها الوسائل التكنولوجية الحديثة المستخدمة لتبادل السلع والخدمات بين المستهلكين والمنتجين ، ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر المبيعات عبر الانترنت التي تسهل المعاملة التجارية بين المشترين والبائعين.

المصطلح الثاني وهو التحول الرقمي Digital Transformation ، وهو عملية تتكون من مجموعة من الإجراءات أو الأساليب الرقمية المستخدمه لتحسين الخدمة المقدمة للعملاء ، وبالتالي فأن تطبيقه يؤدي لتقديم خدمات أكثر ولعدد أكبر من عملاء المؤسسسة ، وزيادة أيرادات وتخفيض المصاريف التشغيلية عن طريق الأساليب التكنولوجيا المستخدمة في تلك العملية .

ومصطلحنا الأخير هو البنك الرقمي Digital Bank ، ونعني به استخدام التكنولوجيا الحديثة لتقديم مجموعة من الخدمات المصرفية المحسنة والمبتكرة من خلال بيانات العملاء المتاحة ، مما يساعد علي توفير الوقت والجهد والتكلفة والخطاء البشري ، وسهولة تنفيذ العمليات المصرفية ، وزيادة ولاء العملاء ، وكذا زيادة أرباح البنك.

الرقمنة الفائز الوحيد في معركة كوفيد الشرسة

وقبل الخوض في تحليل تلك العلاقة ، دعونا نؤكد علي أنه في ظل السنوات الماضية التي كان يخوض فيه العالم معركة شرسة ضد الوباء وتأثيره علي الإقتصاد العالمي بشكل عام واقتصاديات الدول المختلفة بشكل خاص، فإن الفائز الوحيد في هذه المعركة كان بلا شك هو عمليات الرقمنة في كافة المؤسسات بكافة أشكالها بصفة عامة وفي المؤسسات المالية والبنوك بصفة خاصة ، حيث لا يمكن تجاهل تغيراٌ منطقياٌ حدث في ظل فرض عمليات الإغلاق وتدهور الحالة الصحية في كافة أنحاء العالم ، فكان الحل لهذا هو بلا شك الذهاب نحو الرقمنة والتعامل عن بعد تفاديا لإنتشار الوباء وتحقيق السلامة الصحية للجميع.

ولا شك كون القطاع المصرفي كان من أول المؤسسات الإقتصادية التي عملت علي التكيف مع هذا الوضع ، وذلك من خلال وضع أسس التعامل عن بعد، وتقليل عدد العاملين بالفروع والآدارات المركزيه وانتشار مصطلح العمل من المنزل Working From Home  ، وزيادة وسائل التكنولوجيا الحديثة من أجل مساعدة العملاء لتنفيذ متطلباتهم عن بعد ودون الحاجة لزيارة الفروع، وكان الهدف الأول هو طمأنة عملائها عند استخدام تلك الوسائل الحديثة.

وتعددت الإستراتيجيات المختلفة المتبعة من البنوك للرقمنة خلال فترة الوباء والتي مازالت مستمرة، وذلك بهدف زيادة الأرباح ومنح عملائها الراحة التي يطلبونها، والاستمرار في تقديم الخدمات المصرفية ، ومن تلك الإستراتيجيات:

  1. الشراكة مع شركات التكنولوجيا المالية : حيث مع دخول عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وأبل في التمويل الاستهلاكي ، فإنهم يحتاجون إلى مؤسسات مصرفية للتعامل مع العمليات المصرفية المتنوعة، مما يفتح فرصة شراكات تكنولوجية مع البنوك من أجل الوصول إلى قاعدة العملاء القوية لهذه الشركات، مما يزيد معه قاعدة العملاء الجدد ، وبالتالي زيادة الارباح نتيجة تلك العمليات الضخمة والمتنوعة .
  2. تقليل التكاليف الاستثمارية والتشغيلية والأخطاء البشرية: حيث تنفيذ الرقمنة في العمليات المصرفية سيقلل التكاليف الاستثمارية علي المدي الطويل، كما أنه يقلل من التكاليف التشغيلية من خلال تقليل الاعتماد على الموظفين البشريين ، تفادياٌ لزيادة خطر الإصابة من خلال الاتصال المباشر ، ” وفقا لتقرير صادر عن شركة ماكينزي، يمكن للبنوك الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لرقمنة عملياتها المصرفية ما يصل إلى ثلث عملياتها لتقليل التكاليف التشغيلية والقضاء على الأخطاء البشرية”.
  3. تعزيز الابتكار: حيث ابتكار طرق جديدة للوصول إلى قاعدة عملائك والعناية بهم هو ضرورة للحفاظ على القدرة التنافسية ، وكذلك تقديم أفضل مساعدة لعملائك خلال الوباء، حيث يتم توجيه جزء من الميزانية نحو الابتكار لإنشاء منتجات جديدة تلبي الاحتياجات الناشئة للعملاء.
  4. تحسين إدارة البيانات: خلال السنوات القليلة الماضية كانت هناك طفرة في البيانات التي تم جمعها من قبل العديد من المؤسسات ، واستغلال تلك البيانات بشكل أسرع وبطريقة تركز على العملاء، ستزيد من تنوع الخدمات المقدمة والعمولات المحصلة ، مع ضرورة وجود تدابير أمنية مناسبة لحماية بيانات المستخدم.

المزايا الناجمة عن الرقمنة المصرفية

ومع تعدد استراتيجيات الرقمنة خلال فترة الوباء تعددت المزايا الناجمة عن الرقمنة المصرفية، ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر :

  • تعدد المزايا المصرفية: مثل القدرة على إجراء المعاملات المصرفية أينما يوجد العميل وكيفما يشاء ، حيث هواتفنا الذكية وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا متاحة بسهولة ، مما يسمح بالوصول إلى الحساب 24/7 لتنفيذ أي عدد من العمليات المصرفية وبسرعة، ودون الحاجة لزيارة البنك، والتحول للمجتمع غير النقدي الذي يحتوي على معاملات رقمية أكثر كفاءة، وكذلك جعل الحياة أكثر سهولة من خلال متابعة لحظية لاستثماراتك، وتحويل الأموال ودفع الفواتير، وغيرها من الخدمات المصرفية المختلفة .
  • الأمن: هو الأولوية رقم 1 للمؤسسات المالية ، حيث تقوم كافة البنوك بإضافه مصادقة متعددة العوامل للتحقق من بيانات العميل قبل إجراء أي معاملات مصرفية للتأكد من هوية العميل ، مما يمنح بعض المستخدمين سببا أكبر لاستخدام الأدوات المصرفية الرقمية.
  • انخفاض تكلفة التشغيل: التحول الرقمي في تقديم الخدمات المالية أقل تكلفاٌ للبنوك على المدى الطويل، حيث يتم التخلي عن نفقات الصيانة والتشغيل الهائلة لأن البنك الذي تتعامل معه يعمل عبر الإنترنت.
  • تحسين تجربة المستخدم وزيادة عدد العملاء: حيث تجعل عملائك أقرب إليك ، وهذا هو السبب في أن البنوك الرقمية أقرب إلى عملائها من البنوك التقليدية، مما يؤدي إلي المزيد من العملاء من خلال  الحملات التسويقية عبر الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي لجذب المزيد من العملاء .

رب ضارة نافعة

وفي النهاية ووفقا لما تم التطرق له من تفاصيل يمكن التأكيد علي تطابق المثل العربي الذي يقول “رب ضارة نافعة” على نتائج أرباح البنوك من تاثير ظاهرة Covid19 ، سواء بصورة مباشرة نتيجة الزيادة الحادثة لعدد العملاء وزيادة عدد المستخدمين للرقمنة المصرفية وما ترتب عليها من عمولات مصرفية، أو بصورة غير مباشرة مثل إنخفاض في التكاليف التشغيلية والآستثمارية ، وبالتالي زيادة أرباحها في كلا الحالتين ، إلا أنه مع ذلك يوجد العديد من الجوانب السلبية أيضا والمعروفة للجميع ، ولكن محاولاتنا هنا لبحث لبحث فكرة مستحدثة ، وهل ياتي اليوم الذي يتم فيه الافصاح عن تأثير الظواهر المختلفة بميزانيات البنوك سواء سلباٌ أو إيجابا؟ ، مما يزيد معه إمكانية إجراء دراسات أكاديمية وعلمية مستفيضة للوصول لنتائج حقيقية حول تلك العلاقة وأثارها بميزانيات البنوك.