التحول الرقمي للبنوك والثورة الرقمية… وماذا بعد ؟

بقلم:  دكتور حسام عطية، الخبير المصرفي والمالي

في ظل التطورات المتلاحقة في عصرنا الحالي في مجال التكنولوجيا المالية ، وكذلك تسارع وتيرة التحول الرقمي Digital Transformation   للبنوك ، أصبح التمسك بالأساليب التقليدية في تقديم الخدمات المصرفية للعملاء ينذر بقروب الخروج من المنافسة بل من السوق المصرفي ككل ، وهناك العديد من الأمثلة الصريحة في السوق العالمي والسوق المحلي سواء بالتخارج من السوق أو بالاندماج في كيانات أكبر قادرة علي مواكبة هذه التطورات والاستفادة من مزاياها كالمنتجات المالية الجديدة المبتكرة وتكنولوجيا المعلومات مع التركيز على كفاءة الأداء وسرعة تقديم الخدمة وبصورة سهله تتناسب مع متطلبات العملاء والتكنولوجيا الحديثة .

وفي  العشر سنوات القادمة سيشهد العالم  المزيد من الابتكارات في الخدمات المالية عنها بالمقارنة بالمائة سنة الماضية ، وهذا ما يطلق عليه الثورة الرقمية  Digital Revolution  ، والتي تعمل على تغيير بيئة العمل الداخلية بالمؤسسة ، وبيئة العمل الخارجية متمثلة في الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء ، باستخدام التكنولوجيا الحديثة التي تعمل علي تحسين وتبسيط الأجراءات المختلفة.

ولذا اصبح التحول الرقمي أصبح من ضمن المؤشرات الرئيسية لمركز البنك التنافسي وحصته السوقيه وكذلك مدلول علي كفائته في تقديم خدماته ، وما يعكسه ذلك علي كافة مؤشرات البنك التنافسية من أرباح ورأس مال ، وزيادة أعداد العملاء ، و المنتجات المصرفية وتنوعها ، ترشيد التكاليف وإدارة أفضل للمخاطر ، وأخيرا زيادة الأستثمارات بشكل عام.

وقبل التطرق للتفاصيل دعونا نتعرف بشكل مبسط علي مفهوم التحول الرقمي Digital Transformation   ، حيث تعددت تعريفاته ، ولكن جميعها تتفق وبغض النظر عن نوع المؤسسة التي ستقوم بتطبيق هذا المفهوم علي الأتي :

هو عملية تشمل مجموعة من الآجراءات أو الأساليب الرقمية المستخدمه لتحسين الخدمة المقدمة للعملاء، وتحتوي علي ثلاثة عناصر أساسية هي ، ابتكار للخدمات المقدمة ، ، وإعادة بناء الإجراءات ، وأخيرا تحسين وإعادة بناء العلاقات مع العملاء.

ونتيجةً لذلك ، سيتم تقديم خدمات أكثر ولعدد أكبر من عملاء المؤسسسة ، وزيادة أيرادات وتخفيض المصاريف من خلال الأساليب التكنولوجيا المستخدمة في تلك العملية لمواكبة الثورة الرقمية ، وتلبية متطلبات العملاء في المستقبل.

وبالتطبيق لهذا المفهوم علي البنوك ، يمكن تعريف الرقمنة في البنوك علي كونها استخدام التكنولوجيا الحديثة لتقديم مجموعة من الخدمات المصرفية المحسنة والمبتكرة من خلال بيانات العملاء المتاحة ، مما يساعد علي توفير الوقت والجهد والتكلفة والخطاء البشري وزيادة ولاء العميل ، وأرباح البنك من خلال الوصول لتلك الخدمات بالوسائل المختلفة الحديثة عبر الإنترنت، واستفاد العملاء أيضًا من الرقمنة من خلال تسهيل المعاملات غير النقدية ، ويمكنهم إجراء المعاملات في أي مكان وزمان.

ومن أمثلة التحول الرقمي في الخدمات المصرفية ، التطبيقات المصرفية عبر الإنترنت ، وتحسين مواقع الويب ، والتسويق عبر البريد الإلكتروني ، وتشفير البيانات وبرامج اعرف عميلك ، وتقديم القروض.

أهمية وفوائد التحول الرقمي في القطاع المصرفي :

لقد أدى التحول الرقمي في القطاع المصرفي إلى تغيير جذري في كيفية عمل البنوك وكيفية خدمة عملائها. فالأنظمة المصرفية التقليدية هي من الماضي الآن، حيث تتطلب الخدمات التقليدية وقتا أطول وجهداٌ أكبر ، ولتجربة فيروس كورونا في تعاملاتنا البنكية العديد من المزايا في سرعة التحول الرقمي وتنفيذ الخدمات المصرفية عن بعد ، وفي الواقع ، ستكون الأجيال القادمة من أكثر مستخدمي الإنترنت وستكون جزءًا من العالم الرقمي بالفعل ، حيث تتزايد الثورة الرقمية في كافة أنحاء العالم وبشكل سريع .

وهناك العديد من الفوائد منها علي سبيل المثال وليس الحصر ، الثقة في القيام بالخدمات المصرفية عبر الإنترنت من خلال كلا الطرفين ، والحصول علي العديد من البيانات ، مما يحسن معه مستوي الخدمة المقدمة ، كما يتم أكتساب عملاء جدد بسهوله أسهل وأقل تكلفة من خلال التسويق عبر الانترنت ، ومشاركة العملاء برايهم في الخدمات المصرفية المقدمة من خلال تقييمهم لتلك الخدمات بصورة لحظية ، حيث تتيح التكنولوجية المبتكرة الجديدة للبنوك تعزيز مشاركة العملاء من خلال العروض المخصصة.

وأخيرا التحول الرقمي يعمل علي زيادة الابتكار وفقا للتكنولوجيا المستحدثة وبالتالي القدرة علي تلبية متطلبات العملاء في العصر الرقمي الجديد ، حيث غيرت تلك التقنيات الرقمية المتطورة الطريقة التقليدية التي كان يتم بها العمل المصرفي في البنوك التقليدية .

ماذا بعد ….. ؟

في ظل التطورات المتلاحقه التقنيات الحديثة  في التكنولوجيا المالية ، أنطلق خلال السنوات الأخيرة نوع جديد من البنوك بعيداٌ عن الشكل التقليدي المتعارف عليه للبنوك ، وهو مايعرف البنك الرقمي  Digital Bank، ووفقا لما تم نشره في  New York, March 04, 2022 ، أن سوق الخدمات المصرفية الرقمية العالمية سيصل إلى 30.1 مليار دولار بحلول عام 2026 ، والذي كان قد وصل وسط أزمة COVID-19 في عام 2020 حوالي 12.1 مليار دولار أمريكي ، أي أنه يتزايد بمعدل نمو سنوي 15.7٪ .

والبنك الرقمي هو بنك يعمل عبر الإنترنت ويوفر لعملائه الخدمات التي كانت متوفرة سابقًا فقط في فرع البنك التقليدية ، ويقدم ما يعرف بالخدمات المصرفية الرقمية Digital Banking Services ، وتتضمن رقمنة جميع المنتجات والعمليات والأنشطة المصرفية التقليدية لخدمة العملاء من خلال القنوات عبر الإنترنت، وتتمثل في ( جميع الخدمات المصرفية التقليدية المتوفرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع على الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية المتوافقة ، دون الحاجة إلى وجود العميل في فرع البنك)، ومنها علي سبيل المثال : الحصول على كشف حساب بنكي ، تحويل الأموال ، فتح الحسابات، إنشاء الشهادات ، دفع الفواتير ، فحص العمليات التاريخية للحساب … إلخ .

أنواع البنوك الرقمية : يوجد نوعين تم التعرف عليهم حديثأ وهما NeoBank & Challenger Bank ، وسنوضح بصورة مبسطة مفهوم كل بنك واسلوب عمله :

Neobank هو بنك رقمي يعمل عبر الإنترنت ، دون أي وجود مادي ، والذي يوفر لعملائه الوصول عن بعد إلى خدماته عبر تطبيق الهاتف المحمول، غالبًا ما يكون نطاق الخدمات التي يقدمها البنك الجديد أضيق مقارنة بالبنوك المرخصة.

Challenger Bank ظهر في المملكة المتحدة ويشير إلى بنك “يتحدى” المؤسسات المصرفية التقليدية. كونها أكثر سهولة في الاستخدام وفعالية من حيث التكلفة بالنسبة للمستخدم النهائي ، وتوجه علي المنافسة على شرائح الجمهور التي تفتقر إلى الخدمات المالية الكبيرة.

وأخيرا فأن الحديث عن التحول الرقمي للبنك أسهل من تنفيذه ، حيث يتعثر العديد من البنوك اليوم في تحقيق أهداف التحول الرقمي ، للعديد من الأسباب مثل عدم توافر الأمكانيات المادية أو التقنيات التكنولوجيه ، او الافتقار إلى المرونة الداخلية بضرورة تغيير سياسات وأسلوب تقديم الخدمات المصرفية الحديثة ، وتوفير البيانات الضخمة اللازمة لرحلة الرقمنة ، كما يجب تطوير ثقافة الإدارة والموظفين والعملاء للتكيف مع التطور الحادث في أساليب العمل المصرفي الرقمي .

ومن ثما فأن رحلة التحول الرقمي للبنوك لها العديد من الجوانب الخارجية والداخلية في الصناعة المصرفية التي يجب توافرها لتمام تلك الرحلة ، و الخارجية أهمها هو الاستعداد والقدرة على التكيف مع التغيير، حيث غالبًا يوجد العديد من المعوقات بسبب المخاطر التي تتعرض لها تلك الخدمات المصرفية ، وكذلك التشريعات الصارمة التي تهدف إلى حماية بيانات العملاء وخصوصيتهم ، ومنها الداخلية التي تتطلب تغيير المنظمة من الداخل إلى الخارج ، مع التركيز ليس فقط على الخدمات الخارجية مثل البوابات الإلكترونية وروبوتات الدردشة ، ولكن أيضا تحديث لكافة الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء القائمين والجدد ، ومن خلال الموائمة مع تلك الجوانب يمكن للمؤسسة المصرفية البقاء والمنافسة والنمو في ظل الثورة الرقمية.

آخر الأخبار