المطارات والانطباعات الأولى

محمود عبد الباسط – باحث إعلامي

يقول علماء وخبراء الاتصال أن الانطباعات الأولى تدوم ( first impressions are last impressions ) وأن ما يقرب من ٦٠% من نسبة الحكم على المتقدمين للوظائف من خلال المقابلات الشخصية يتكون من الانطباعات الشخصية الأولي عن هؤلاء المتقدمين في اللحظات الأولى من دخولهم مكان المقابلة، بل وبرهنت دراسات الاتصال أن الاتصال غير اللفظي none verbal communication يمثل مايزيد عن ٥٠% من حجم تأثير الرسالة الاتصالية على المتلقين.

وفى عالم السفر والسياحة في العصر الحديث تستحوذ المطارات كموانيء ومنافذ جوية على النصيب الأعظم من حجم حركة السفر مقارنة بالموانيء البرية والبحرية الدولية، لذا تلعب المطارات في راينا الدور الأكبر في تشكيل الانطباعات المكونة عن المدن والبلاد باعتبارها بوابة الدخول للمدن والبلدان وأول اتصال فيزيقي حقيقي بين المسافر وبلد الوصول، وهذه المطارات إما أن ترسخ الصورة الذهنية الطيبة المسبقة لدى المسافر عن هذه المدينة أو على العكس يمكنها قلب الصورة الذهنية رأسا على عقب وترسخ صورة سلبية اذا ما كانت الانطباعات الأولى ليست على نفس مستوى توقعات هذا المسافر لهذه المدينة.


فكثيرا ما تبدلت صورتنا عن دول أو مدن بمجرد وصولنا لأحد مطاراتها لأن التجربة خير دليل ومن يرى بعينه وعاش التجربة بنفسه بالطبع ليس كمن قرأ أو سمع !!
فالمطارات بمثابة سفراء للدول في عالم السفر والسياحة، فهى أول احتكاك وتعامل حقيقي مع الدولة عند الوصول وهى آخر تعامل أيضا عند المغادرة، لذا تتسابق الدول في إبراز وتجهيز أفضل مالديها من تجهيزات وامكانيات بمطاراتها لتستحوذ على عقل وقلب والانطباعات الحسنة لزائريها في اللحظات الأولى من وصولهم لأراضيها ولتأكيد هذه الانطباعات الحسنة أيضا في اللحظات الأخيرة عند المغادرة.


ونستطيع القول أن الانطباعات المشكلة عن الدول والمدن عبر المطارات تتداخل بها عدة مكونات وعوامل ومن حصيلة هذه المكونات والعوامل تتشكل الانطباعات العامة عن البلدان، فمثلا هناك المكون البشري وطريقة تعامل من يعملون بالمطارات والتي تدل على شيم اهل البلد ومدى حسن تعاملهم وتحضرهم وكرم ضيافتهم وعراقة ثقافتهم .. وهناك المكون البصري من منشآت ومرافق ومدى جاذبيتها ونظافتها وتنسيقها وفخامتها والتي تدل على مدى براعة وحضارة شعب هذه الدولة.


والخلاصة أن ما يعيشه الزائر أو السائح بالتجربة عبر المطارات هو بمثابة النصيب الأعظم من انطباعات واتجهات هذا السائح عن هذه الدولة، والتي تظل حاضرة في ذاكرته لفترة طويلة فيما بعد، بل تظل هذه الانطباعات هى الرمز والأيقوتة عن البلد التى زارها، وتلعب الدور الأكبر فيما ينقله لأقرانه الأخرين سلبا أو إيجابا عن تجربته بهذه الدولة. وأن كل الجهود التي تبذل لأجل ظهور مطاراتتا بمظهر حضاري سواء على مستوى المكون البصري أو العامل البشري هو بمثابة استثمار طويل الأمد في بناء السمعة والصورة الكلية للدولة.