وكالات
ليس هناك شك في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ دورة خفض أسعار الفائدة يوم الأربعاء المقبل. والواقع أن البيانات الأخيرة دعمت الرأي القائل بأن البنك المركزي كان سيعتبر في وضع أفضل لو فعل ذلك في يوليو، خلال الاجتماع السابق للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تضع السياسات.
ومع ذلك فإن التوقع المؤكد بخفض أسعار الفائدة الأسبوع المقبل يأتي مصحوباً بقدر كبير من عدم اليقين التحليلي بشأن نقطة النهاية لأسعار الفائدة، ونوع الرحلة إلى تلك الوجهة، والتأثير في الاقتصاد وتداعيات ذلك عالمياً. وقد يفاجئ هذا الغموض المستثمرين في السندات بسهولة إذا فشلت الظروف في التخفيف من قيود السيولة بشكل كبير.
وفي حين أثبت النمو الاقتصادي الأمريكي مراراً وتكراراً أنه أكثر قوة مما توقعه كثيرون، فإن إمكانية استمرار هذه «الاستثنائية الاقتصادية» لا بد وأن توزن مقابل الضغوط المتزايدة التي تشعر بها الأسر ذات الدخل المنخفض، فقد استنفدت أعداد كبيرة من الناس مدخراتهم التي جمعوها أثناء الجائحة، وتكبدوا المزيد من الديون، بما في ذلك استنفاد ما في بطاقات الائتمان الخاصة بهم إلى أقصى حد. ولا يوجد اتفاق على ما إذا كان هذا الضعف سيظل متركزاً في الطرف الأدنى من سلم الدخل أم سينتقل إلى الأعلى.
إن الاستثنائية الأمريكية ليست سوى واحدة من البسط التي سُحبت من تحت المرتكزات المريحة التي كانت تستخدم في تحليل الاقتصاد الأمريكي، كما فقد الاقتصاد التأثيرات المستقرة التي تخلقها أطر السياسات الموحدة.
لقد أفسح التبني طويل الأجل لمبدأ «إجماع واشنطن»، أي أن الطريق إلى الرخاء الاقتصادي المستدام ينطوي على تحرير القيود التنظيمية، والحكمة المالية، والتحرير، أفسح المجال أمام التوسع في السياسات الصناعية، والاختلال المستمر للتوازن المالي، واستخدام التعريفات الجمركية التجارية وعقوبات الاستثمار كسلاح.
وعلى الصعيد الدولي، كان من الطبيعي للإجماع على التكامل الوثيق بين السلع والتكنولوجيا والتمويل أن يتعرض لعملية تفتت أصبحت الآن جزءاً من إعادة برمجة تدريجية أكبر كثيراً للاقتصاد العالمي.
في الوقت نفسه، تآكل تأثير التوجيه السياسي المستقبلي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو مرتكز تحليلي تقليدي آخر، بسبب الاعتماد المفرط على البيانات، وهذا بدأ يؤثر في صناع السياسات بعد الخطأ الكبير الذي ارتكبه البنك المركزي في عام 2021 في وصف التضخم بأنه عابر.
وقد أدى التقلب الناتج في وجهة النظر الإجماعية بشأن الأسواق، التي كانت تتحرك ذهاباً وإياباً مثل «تنس الطاولة»، إلى تغذية عدم التوافق بين البنك المركزي والأسواق فيما يتعلق بالتأثيرات السياسية الأساسية.
ويؤكد كبار المسؤولين في بنك الاحتياطي الفيدرالي استمرار أهمية كلا الجزأين من التفويض المزدوج للبنك المركزي: تعزيز استقرار الأسعار وتوفير أقصى قدر من التوظيف، لكن الأسواق تحولت بعنف خلال الأسابيع القليلة الماضية نحو اعتبار الاحتياطي الفيدرالي بنكاً مركزياً ذا تفويض واحد، مع التركيز الذي تحول الآن من مكافحة التضخم إلى تقليل أي ضعف آخر في سوق العمل.
في الوقت نفسه، لا يوجد اتفاق حول كيفية تأثر صياغة السياسات باعتبارات تخفيف المخاطر المرتبطة عادة بفترات عدم اليقين الاقتصادي. وأخيراً، هناك العديد من وجهات النظر حول كيفية ومتى سينتقل كبار المسؤولين في بنك الاحتياطي الفيدرالي من الاعتماد المفرط على البيانات إلى وجهة نظر أكثر ميلاً إلى المستقبل عند رسم السياسات.
وفي حين أن مثل هذه الشكوك تتعلق بشكل أساسي بمدخلات صنع القرار بشأن أسعار الفائدة، إلا أنها تخلف تأثيرات لاحقة على النتائج في ثلاثة مجالات رئيسية: سعر الفائدة النهائي، حيث لا تكون السياسة مقيدة ولا محفزة للاقتصاد والرحلة لتحقيق هذا الهدف، والمدى الذي ستترجم به تخفيضات أسعار الفائدة إلى زخم أكبر للنمو غير التضخمي للاقتصاد، والدرجة التي ستفتح بها دورة خفض أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الباب لدورة عالمية قوية تشمل أيضاً البلدان الناشئة.
ولا ينعكس هذا المشهد التحليلي المعقد في كيفية تسعير أسواق الدخل الثابت في الولايات المتحدة، والتي تعمل كمعايير عالمية، للتوقعات لسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي.
والواقع يقول إن أسواق السندات الحكومية تشير إلى مخاطر ركود عالية، وتتوقع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 0.50 نقطة مئوية الأسبوع المقبل أو بعد ذلك بفترة وجيزة، وأن يخفضها بمقدار نقطتين إجمالاً في غضون الاثني عشر شهراً المقبلة، ومع ذلك فإن أسواق الائتمان، من جانبها، تتوقع بثقة هبوطاً هادئاً.
ويمكن حل هذه التناقضات في تسعير الأصول بطريقة منظمة طالما أن المزيد من التخفيف الكبير للظروف المالية، بما في ذلك استغلال النقد الجانبي، سيعوض عن إصدار السندات الكبيرة من الحكومة والانكماش المستمر في الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي المعروف باسم التشديد الكمي.
وكانت قوة هذا الأمر واضحة يوم الأربعاء من خلال عكس الارتفاع الكبير بمقدار 0.10 نقطة مئوية في العائد الأمريكي لمدة عامين، الناجم عن قراءة شهرية أكثر سخونة قليلاً للتضخم الأساسي، ومع ذلك فإن هذا التأثير «الفني» يشكل بديلاً ضعيفاً لاستعادة النمو ومرتكزات السياسات، وهو أيضاً متقلب بطبيعته.
*نقلا عن صحيفة “البيان” الإماراتية.