أكد الدكتور أحمد شلبي أستاذ العمارة والتنمية العمرانية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر ورئيس مجلس العقار المصري، ان صغار المطورين العقاريين في مصر تعرضوا خلال فترة الأربع سنوات السابقة، لمشكلات كثيرة تتعلق بفرق تكلفة تنفيذ المنشأ العقاري، مما نتج عنه أعباء إضافية أدت لتكبدهم خسائر مادية كبيرة لا يمكنهم تحملها، عكس الشركات الكبيرة التي يمكنها تعويض خسائرها خلال مراحل جديدة في مشروعاتها أو من الأراضي الجديدة ، مشددا على أهمية تعاون الدولة مع مجلس العقار المصري في الفترة المقبلة، والعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة، حتى لا تزيد الأزمة وتتحول لقنبلة موقوتة.
وقال شلبي في لقاء ببرنامج ( الي بنى مصر) مع الكاتبة الصحفية مروة الحداد على ( راديو مصر) أن عدد شركات صغار المطورين العقاريين في مصر، يتراوح من ٣٠٠ إلى ٣٥٠ شركة، لذلك لابد من الوصول إلى حلول سريعة وجذرية لمساعدتهم في تجاوز هذه الأزمة، لأنهم جزءا كبيرا من القطاع العقاري، ولهم دورا كبيرا في خلق فرص عمل في النشاط الاقتصادي المصري، لذلك يضع مجلس العقار المصري هذا الموضوع نصب عينيه ومن ضمن الاولويات الخاصة به.
وأوضح شلبي أنه جاري حاليا دراسة فكرة ان يكون لدى الدولة مساحة من المرونة لتعويض المطور عن خسارته دون الحاجة للرجوع إلى العملاء، لان الرجوع للعملاء صعب جدا في الوضع الاقتصادي الحالي، وما نتج عنه من ضغوط اقتصادية كثيرة على جميع المواطنين، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تترك الدولة صغار المطورين لمواجهة مصيرهم بمفردهم لأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، فمثلا هناك مطورون يمتلكون قطعة أرض واحدة فقط، وقاموا ببنائها وبيع نصفها فقط، ثم حدثت الزيادة في تكلفة التنفيذ مما جعلهم غير قادرين على الاستمرار في البناء، ومن هنا حدثت الأزمة، والمفترض في تلك الحالة الرجوع للعميل للمطالبة بفرق التكلفة وهذا صعب في الوقت الراهن.
وأشار إلى أن مشروع بيت الوطن تأثر بشكل كبير بسبب هذه المشكلة، لذلك لابد من التعاون بين الكيانات التي تمثل المطورين العقاريين وبين الدولة، لدراسة حلول واقعية لتجاوز هذه الأزمة، مشددا على أهمية مناقشة هذا الموضوع مع وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، مضيفا أن أحد الحلول المطروحة لحل هذه المشكلة، هو ان يتم التعامل مع المطور كأنه مقاول، وطبقا للعقود يتم حساب فرق التكلفة التي تحملها المطور لتتحمله الدولة عوضا عنه خصما من أقساط الأراضي، معتبرا أن ذلك حل وسط، خاصة وان أراضي بيت الوطن تم تقييمها طبقا لسعر الدولار.
وصرح شلبي أنه ضد تسعير الوحدات العقارية بالدولار، والذي طالب به عددا من المطورين، وأنه تم مناقشة هذا الموضوع مع أغلبية المطورين العقاريين العاملين في السوق المصري، مؤكدا على أنه تم الاتفاق فيما بينهم على عدم ربط التسعير بالدولار، لأنهم ضد دولرة الاقتصاد المصري، وضد الاهتمام بمصالحهم الشخصية على حساب الاقتصاد المصري، الذي يعتبرونه مظلة كبيرة تجمعهم للعمل في ظلها.
ولفت إلى أن هناك مشكلة تحدث حاليا، وهي قيام المطورين بالبيع وحدوث فروقات كبيرة في التكلفة تفوق الفروقات المسجلة في دراسات الجدوى، وليس المقصود هنا هو الارتفاعات السنوية المنطقية، لأنه يتم حسابها في دراسات الجدوى، ولكن المقصود هو القفزات الكبيرة التي تحدث في التكلفة دون توقع، وتسبب ضررا كبيرا للمطورين لأنها تؤدي إلى تحقيق خسارة كبيرة لهم، بل ويصل الأمر إلى خروج بعض المطورين تماما من السوق العقاري.
وأقترح شلبي التفكير في آلية للتعامل مع هذه الأزمة، مضيفا أن أحد هذه الآليات الجاري دراستها حاليا، هي ربط الأسعار بسلة الخامات، موضحا أن هذه الآلية موجودة بالفعل في عقود المقاولات، ويقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإصدار بيانات تتعلق بها، مقترحا ان يكون السعر الذي يتم البيع به، يشمل زيادات في التكلفة مع وضع حد أقصى لهذه الزيادة، وفي حالة زادت عن هذه النسبة يقوم العميل بتحمل هذه الفروق، بشرط ان يكون فرق التكلفة فقط طبقا لحسابات المقاولات وليس محملا بأي زيادة تتعلق بالمصروفات الإدارية او غير ذلك، اي يتم حسابه طبقا لعقود الفيدكس مع وضع حد أقصى لهذا الفرق كما ذكرت، بحيث يكون العميل على دراية بذلك، فمثلا في حالة شراء العميل وحدة قيمتها مليون جنيه، وحدثت فروقات في التكلفة فسيكون عليه دفع مليون و٢٠٠ ألف أو مليون و٣٠٠ ألف كمثال للحد الأقصى، ولكن لابد من الاتفاق على إطار عمل واحد بموافقة جميع المطورين والدولة معا ويتم تعميمه بعد ذلك، مشيرا إلى أن هذا ما يتم دراسته حاليا، ويمكن اعتبار هذه الآلية كحل وسط تنظم العمل في المرحلة القادمة.
وفيما يتعلق بالوضع الحالي للاستثمار في مصر، ذكر شلبي أنه لا يمكن إنكار أن الأوضاع الاقتصادية الحالية في مصر صعبة، ولكنه لديه إيمان وقناعة تامة بأن مصر دائما مليئة بالفرص الاستثمارية وبصفة خاصة القطاع العقاري، مشيدا بالاستثمار في القطاعات العقارية الغير سكنية باعتبارها مشروعات مدرة لعوائد مادية مجزية مثل التجاري والإداري والفندقي، معتبرا فرص نجاح هذه المشروعات دائما عالية جدا خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها مصر.
وقال أن المشكلة في مصر حاليا تتلخص في تسعير العملة، متسائلا عن كيفية جذب استثمارات خارجية بعملة اجنبية دون معرفة تقييم الجنيه والدولار، مؤكدا على أن هذا هو التحدي الحالي الذي تواجهه الدولة المصرية، ولكنه يرى أمام هذا التحدي الكبير سوقا كبيرا ممتلئا بالفرص، مؤكدا على أهمية دور المستثمر والمطور العقاري وبصفة خاصة المستثمر الخارجي، لأن دوره يكمن في الموازنة بين التحدي والمخاطرة وبين الفرص المتاحة، لأن الاستثمار العقاري استثمارا طويل الأجل وليس سريعا، مشيرا إلى أن هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر سيتم تجاوزها مثلما حدث في كل الأزمات السابقة التي مرت على مصر خلال تاريخها الطويل.
وشدد على أن دور المستثمرين والمطورين المصريين في الوقت الحالي هو المحافظة على تواجد استثماراتهم ومشروعاتهم في السوق المصري، حتى وان كانت لهم مشروعات وتوسعات في الأسواق الخارجية مثل السوق السعودي، لان العمل في الأسواق الخارجية ليس معناه ترك السوق المصري، بل العكس تماما، حيث تقوم شركته حاليا بالتوسع في السوق المصري بمشروع جديد، بالرغم من دخولها السوق السعودي، معتبرا أن الاستثمار في السوق السعودي يعتبر بمثابة شهادة ثقة للقطاع العقاري المصري، وأنه مثلما يوجد في القطاع العقاري المصري شركات سعودية وإماراتية، فيجب أن تعمل الشركات المصرية في هذه البلدان ايضا، لأن ذلك بمثابة تبادل خبرات وتصدير للعقار، كما تساعد في النهاية في جذب استثمارات من هذه الدول لمصر، مؤكدا على أن هذا التبادل الاقتصادي مطلوب، داعيا المصريين إلى الثقة واليقين في قوة الاقتصاد المصري، لأنه سيظل قويا بتكاتف الشعب المصري وبرجال الأعمال المخلصين، وبالفرص المتاحة في هذا البلد منذ أمد التاريخ.