عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بالتعاون مع البنك التجاري الدولي (CIB)، أمس الاثنين فعاليات اليوم الأول من مؤتمر بعنوان: “نحو (COP27) وما بعده”، بمشاركة الدكتور محمود محيى الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة ورائد المناخ لمؤتمر المناخ COP-27، والدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة شئون البيئة، وبحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين من مصر والعالم.
وشارك بالجلسة الافتتاحية؛ الدكتور محمود محيى الدين المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولي المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030، والدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة شئون البيئة، والمهندس طارق توفيق نائب رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، والدكتورة داليا عبد القادر رئيس قطاع التمويل المستدام بالبنك التجارى الدولي CIB، وأدارتها الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز.
وقالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، أن هذا المؤتمر يمثل سابقة أولى حول دعم مراكز الفكر لجهود الدولة المصرية للاستعداد لاستضافة للدورة 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ (COP27)، وما بعدها. مؤكدة أن مصر ليست فقط الدولة المستضيفة، ولكنها أيضا صوت أفريقيا فى هذا المؤتمر، والتى تتوقف جهودها عند عقد المؤتمر، والذى يعد حلقة أولى فى سلسلة تحركات عالمية تقودها مصر لإنقاذ الكوكب والذى أصبح مهددا بخطر جدي جراء التغيرات المناخية. فيما سيواصل المركز عقب هذا المؤتمر دعم جهود مصر فى التأكد من حصاد مصر والقارة الأفريقية لنتائج هذا المؤتمر.
من جانبه قال طارق توفيق نائب رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن المؤتمر فرصة جوهرية لمصر لعرض حالتها، وهى ليست بمنأى عن تأثيرات ما يحدث فى العالم من أزمات متتالية، لافتا إلى أن العالم يشهد تغيرات متسارعة فقد قررت ألمانيا إعادة استخدام الفحم فى توليد الطاقة على خلاف ما كانت تسعى إليه، وأشار إلى أن مؤتمر (COP27) قد يكون فرصة فارقة لإعادة تقييم سياساتنا ككل بما فيها السياسات المالية والاقتصادية والطاقة المتجددة، وسيسعى المركز المصرى لاستثمار هذا الحدث بأفضل ما يمكن.
وأكدت الدكتورة داليا عبد القادر، أن البنك التجارى الدولى يعمل مع المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى هذا الملف بشكل متسارع، حيث أخذ البنك على عاتقه مسئولية المساعدة فى التنمية المستدامة فى كل قطاع فى مصر حيث سيكون هناك دور جديد للبنوك فى التفاعل مع الأفراد، وكان البنك التجارى أول من أصدر السند الأخضر فى مصر عام 2020، وهناك بيئة داعمة فى مصر لهذا التوجه حيث كان الدستور المصرى أول دستور فى العالم ينص على التنمية المستدامة، كما أصدرت جهات مختلفة استراتيجيات تدعم التنمية المستدامة منها البنك المركزى وهيئة الرقابة المالية ووزارة البيئة. وقالت أن مصر وأفريقيا جزء من مخاطر التغير المناخى وأيضا جزء من الفرص والحلول.
من جانبه وصف الدكتور محمود محيى الدين الأوضاع التى يمر بها العالم حاليا بأنها “الأتعس” منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تسيطر ظروف عدم اليقين على العالم، ولا يوجد اتجاه لمجالات تعاون عالمى فى التجارة والاستثمار ووجود قيود على حركة العمالة، ليس فقط نتيجة حرب روسيا – أوكرانيا التى أدت لارتفاع أسعار المحاصيل والغذاء والطاقة والسلع، ولكن أيضا ما سبقها من أزمة كورونا التى كانت كاشفة ومعجلة بقدر من التغييرات وهى مشكلات ممتدة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهى الأزمات التى دفعت لمشكلات أكبر تتعلق بأزمات التمويل الدولية.
وأشار محيى الدين إلى أن ملفات تغيرات المناخ بقدر ما تحمل من أزمات، إلا أنها أيضا تنطوى على فرص للتعاون والعيش المشترك، الذى بدونه سيذهب أى جهد فردى هباءا، لافتا إلى أن أفريقيا رغم أنها لم تكن المسئول الأكبر عن هذه التغيرات إلا أنها تعد أكبر المتضررين واصفا إياها بالـ”ضحية”، فهى مسئولة فقط عن 3% من الانبعاثات الضارة فى الكوكب، فى حين أن روسيا وحدها مسئولة عن 4% من الانبعاثات، والهند مسئولة عن 8%، وأمريكا 16%، والصين 30%.
وأكد محيى الدين أن القمة المقبلة يجب أن تعطى المساحة المناسبة لأفريقيا ليس فقط فيما يتعلق بمشكلة التكيف والتمويل، ولكن أيضا فى أن تكون جزءا من الحل العالمى للأزمة بما يمكن أن توفره من الطاقة النظيفة والتحول الرقمى والثورة الصناعية الرابعة، حيث تملك أفريقيا كل المصادر الطبيعية لهذا، وبمنطق اقتصادى سليم ستكون هى مصدر السلع والمواد الأولية ومجال التصنيع المشترك والإنتاج، لافتا إلى توقيع مصر و5 دول أفريقية تحالف من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر إيمانا منها بأهمية المعايير المنضبطة، كما تشهد أفريقيا استثمارات ضخمة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة حيث يوجد أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية فى بنبان بأسوان، وهناك 23 دولة أفريقية تعتمد الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو ما يؤكد إمكانية أن تكون أفريقيا مصدرا للحل العالمى.
وأشار محيى الدين إلى استمرار ضعف دور القطاع الخاص فى الاستثمار بمجالات التكيف، حيث مازلنا نعتمد بالأساس على التمويل العام فى مجال التكيف، لأن النفع العام المتحقق منه أكبر بكثير من النفع الخاص، ولكن هناك بعض المجالات التى يمكن أن يكون للقطاع الخاص دور أكبر فى الاستثمار بها.
ودعا محيى الدين لأن تكون مصر واحدة من الدول المنشئة لأسواق الكربون كدولة رائدة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مطالبا بضرورة وضع معايير عالمية لما هو أخضر، حيث تقوم بعض الجهات بأمور تخالف المعايير وهناك تضارب فى المعايير الدولية وهو ما يطلق عليه “الغسل الأخضر”، لافتا إلى أن هناك لجنة لوضع معايير عالمية متفق عليها تستضيف مصر أعمالها ومن المتوقع أن تنهى عملها هذا العام وإعلان نتائجها فى قمة شرم الشيخ.
من جانبها قالت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة شئون البيئة، أن جلسات المؤتمر تتوافق مع الأجندة الرسمية لقمة (COP27)، مشيرة إلى زيادة بيانات الاحتباس الحرارى وارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 21 درجة مئوية عام 2019 مقارنة بعام 2010، وزيادة بنحو 54% مقارنة بعام 1999، وشهدت مناطق وسط وغرب افريقيا وقلب القارات ووسط وجنوب آسيا، عواصف وجفاف وفيضانات خلال آخر عشر سنوات بنحو 15 ضعف ما شهدته هذه المناطق قبل عام 2010.
وأكدت فؤاد أن قضية تغير المناخ تحدى عالمى، ولكن الوتيرة السريعة للتغير تحدث، لافتة إلى أننا نستقبل نفس كمية الأمطار المعتادة فى ديسمبر ويناير ولكن ما يحدث انها تهطل فى عدد أيام أقل من المعتاد لا يتناسب مع قدرات البنية التحتية.
وأوضحت وزيرة البيئة أن قمة (COP27) ستكون قمة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فى القمة السابقة، خاصة ما يتعلق بالتوافق على هدف عالمى للتكيف، وهو أمر مرتبط بالتمويل، وتعويض الدول الأكثر هشاشة والأكثر عرضة لتغيرات المناخ ومضاعفة تمويل التكيف من خلال الصناديق الدولية خاصة ما يتعلق بالقارة الأفريقية التى تجد صعوبة فى الحصول على التمويل، وما هى آليات إتاحة تمويل الـ 100 مليار دولار التى أقرتها قمة كوبنهاجن لتيسير التحول الأخضر، وكيفية الانتقال العادل للطاقة وخفض انبعاثات الصناعة والبترول، وطرح مبادرة للزراعة والغذاء على المستوى الدولى، بالإضافة إلى مناقشة تأثيرات تغير المناخ على وفرة المياه، وارتفاع منسوب سطح البحر، بجانب يوم محدد لابتكارات الشباب، وطرح تجارب ناجحة فى مواجهة التغير المناخى.
وأعلنت فؤاد عن وضع المبادرة الأفريقية للطاقة الجديدة والمتجددة والمبادرة الأفريقية للتكيف على طاولة القمة المقبلة لتسهيل حصول الدول الأفريقية على تمويل مشروعات التكيف، وكيفية صياغة مشروعات للتكيف قابلة للتمويل.
وأشارت إلى إقرار الحكومة المصرية لأول حزمة حوافز خضراء لمجالات مرتبطة بتغيرات المناخ، مثل إدارة المخلفات، وإنتاج أكياس بديلة للأكياس أحادية الاستخدام، وغيرها، حيث سيتم توجيه كل مميزات قانون الاستثمار لتحفيز الإنتاج والاستهلاك المستدام والتحول التدريجى للإنتاج المستدام.
وخلال اليوم الأول تم عقد عدد من الجلسات لمناقشة موضوعات قطاعية، حيث ناقشت الجلسة الأولى ما يتعلق بأفريقيا وصياغة موقف تفاوضى للقارة خلال القمة، وكيف يمكن ان تتفاوض الدول الأفريقية مع الدول المتقدمة حول التمويل سواء من حيث قيمته أو توجهات إنفاقه وتوزيع التمويل على سياسات التكيف والتخفيف، وأدارها السفير عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق.
وناقشت الجلسة الثانية تحولات الطاقة لتحقيق أهداف (COP27)، وطالب الخبراء بضرورة تبنى المؤتمر لفكرة الطاقة كحق إنسانى، وضرورة الربط بين فكرة تحول الطاقة وأمن الطاقة، والتركيز على قضية الطاقة الجديدة والمتجددة والتحول بما يخدم أمن الطاقة، مؤكدين أن الفرصة متاحة أمام منطقة المتوسط الآن ليكون مصدرا للطاقة لأوروبا بعد توقف تصدير النفط والغاز الروسى.
أما الجلسة الثالثة فقد ناقشت مستقبل قطاع الزراعة الخضراء فى مصر، حيث استعرضت الجلسة نموذجى عمل للزراعة المستدامة من خلال فصل الأملاح عن المياه الغذبة فيما يتعلق بمياه الرى الجوفية، بينما تطرق النموذج الآخر إلى تعظيم القيمة المضافة من زراعة الأنواع التصديرية من التمور، وذلك ببناء نموذج بيئى متكامل لإدارة سلاسل القيمة الخاصة بهذا القطاع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
“نحو صناعة خضراء”، هذا ما ناقشته الجلسة الرابعة والأخيرة، والتى طرحت رؤية متكاملة حول مستقبل المواد المستدامة فى الصناعة، كما قدمت نموذجى عمل بالتطبيق على صناعة المنسوجات، ومواد البناء.