سجّل الدولار الأمريكي تراجعًا غير مسبوق في النصف الأول من عام 2025، ليحقق أسوأ أداء نصف سنوي له منذ أكثر من خمسة عقود، وسط ضغوط متزايدة على السياسة النقدية الأمريكية، ومخاوف الأسواق من تباطؤ النمو العالمي.
فبحسب بيانات الأسواق المالية، انخفض مؤشر الدولار بنسبة 10.8% خلال الفترة من يناير حتى يونيو 2025، في أسوأ أداء له خلال أول ستة أشهر من أي عام منذ عام 1973، ما يُعد ضربة قوية لمكانة العملة الأمريكية التي طالما تربعت على عرش العملات العالمية كملاذ آمن.
هذا التراجع لا يعكس فقط هشاشة الثقة في الدولار خلال المرحلة الراهنة، بل يشير أيضًا إلى دخول العملة الأمريكية في نطاق سوق هبوطية، خاصة في ظل التوقعات المتزايدة ببدء دورة جديدة من خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال النصف الثاني من العام.
سلسلة خسائر تاريخية أمام العملات العالمية
وسجل الدولار انخفاضًا حادًا أمام معظم العملات الرئيسية، حيث تراجع بنسبة 14.4% أمام الفرنك السويسري، و13.4% أمام اليورو، و10.5% أمام الين الياباني، و9.6% أمام الجنيه الإسترليني، ما يعكس اتساع نطاق الضغوط على العملة الخضراء في الأسواق العالمية.
كما سجل مؤشر بلومبرج للدولار الفوري انخفاضه الشهري السادس على التوالي، في أطول سلسلة خسائر منذ ثماني سنوات، وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على أن الأسواق باتت تُسعّر دخول الدولار في مرحلة من الضعف الهيكلي قد تستمر لفترة غير قصيرة.
الاحتياطي الفيدرالي في مرمى الضغوط
ويأتي هذا الأداء الضعيف في وقت يواجه فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ضغوطًا متزايدة لخفض أسعار الفائدة، في ظل أزمة عجز الإنفاق الأمريكي، والمخاوف المتنامية من تأثير الرسوم الجمركية والصراعات الجيوسياسية على النمو الاقتصادي.
ويرى مراقبون أن الفيدرالي قد يجد نفسه مضطرًا لتسريع وتيرة التيسير النقدي، وهو ما قد يدفع الدولار إلى مستويات أكثر انخفاضًا خلال النصف الثاني من العام، خاصة إذا تزامن ذلك مع تباطؤ في سوق العمل أو ضعف في مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي.
توقعات بانخفاضات إضافية.. وتحذيرات من أثرها على الأسواق
وبحسب تقرير لمحللي بنك جيه بي مورجان، فإن السيناريوهات التاريخية تشير إلى أن الدولار عادة ما يستمر في التراجع بعد بدء دورة خفض الفائدة، مشيرين إلى أن الأسواق قد تشهد مستويات منخفضة جديدة للدولار خلال الفترة المقبلة، ما لم تظهر مؤشرات قوية على استقرار الاقتصاد الأمريكي.
وأكد التقرير أن الأسواق شهدت منذ عام 1980، ست حالات استأنف فيها الفيدرالي خفض الفائدة بعد توقف مؤقت، وفي كل مرة كانت النتيجة ضعفًا مستمرًا في أداء الدولار، وهو ما يدفع المحللين إلى الحذر من تداعيات هذا التراجع على الأسواق المالية وأسعار الأصول، لا سيما الأسهم.
هل يفقد الدولار مكانته العالمية؟
ويرى خبراء أن استمرار تراجع الدولار يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبله كعملة احتياطية دولية، خاصة في ظل تنامي التوجه العالمي نحو تنويع سلال العملات في التجارة الدولية، واستخدام عملات بديلة في التسويات مثل اليوان الصيني واليورو.
ومع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من التحولات الهيكلية، سيكون على صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة اتخاذ قرارات حاسمة ومتوازنة، للحفاظ على استقرار الدولار دون الإضرار بمستهدفات النمو.