بقلم: الأستاذ الدكتور أيمن عبد الفتاح، أستاذ ورئيس قسم الأوعية الدموية والقسطرة الطرفية – كلية الطب – جامعة عين شمس
لم يعد الذكاء الاصطناعي مصطلحًا بعيدًا عن حياتنا اليومية، بل أصبح واقعًا يفرض نفسه في مختلف مجالات الطب، ومن بينها تخصص الأوعية الدموية، ذلك التخصص الدقيق الذي يهتم بتشخيص وعلاج أمراض الشرايين والأوردة والجهاز الدوري. ومع دخول هذه التقنية المتطورة إلى مجالنا، يمكن القول إننا أمام ثورة طبية حقيقية غيّرت من طريقة التشخيص والعلاج، وفتحت آفاقًا واسعة لمستقبل أفضل لصحة المرضى.
الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر
من أبرز المساهمات التي قدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الأوعية الدموية، هو التشخيص المبكر والدقيق. فبدلاً من الاعتماد الكلي على العين البشرية في قراءة صور الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي أو الموجات فوق الصوتية (الدوبلر)، أصبح بإمكان خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل هذه الصور في وقت قياسي، واستخراج مؤشرات دقيقة لوجود تضيق أو انسداد أو تمدد في الأوعية الدموية.
هذه القدرة على التحليل الفوري توفر للطبيب أداة مساعدة تقلل من نسبة الخطأ، وتسمح باكتشاف المرض في مراحله الأولى، مما يمنح المريض فرصة أفضل للعلاج الناجح قبل حدوث المضاعفات.
تحسين خطط العلاج
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على التشخيص فقط، بل يمتد إلى المساعدة في وضع الخطط العلاجية. على سبيل المثال، يمكن للأنظمة الذكية التنبؤ بنتائج التدخلات المختلفة مثل القسطرة أو الجراحة، بناءً على تحليل بيانات آلاف الحالات السابقة. هذا يساعد الطبيب على اختيار الأنسب لكل مريض وفق حالته الفردية، مما يعزز من فرص النجاح ويقلل من المضاعفات المحتملة.
متابعة المرضى وتوقع المضاعفات
واحدة من أهم المميزات التي أضافها الذكاء الاصطناعي هي القدرة على التنبؤ بمسار المرض. فعبر تحليل بيانات المرضى، يمكن للأنظمة الذكية التوقع بمدى احتمالية حدوث جلطات جديدة، أو تطور قصور في الدورة الدموية الطرفية، أو عودة انسداد الشرايين بعد التدخل. هذه المعلومات تعطي الطبيب ميزة استباقية لوضع برامج متابعة دقيقة، وتساعد المريض على الالتزام بخطة علاجية أكثر فاعلية.
دور الذكاء الاصطناعي في الجراحات التداخلية
حتى في غرف العمليات، أصبح للذكاء الاصطناعي دور متنامٍ. فهو يساعد في توجيه القسطرة والأدوات الدقيقة داخل الأوعية الدموية عبر أنظمة تصوير مدعومة بخوارزميات ذكية، مما يزيد من دقة الإجراءات ويقلل من زمن العملية. كما أنه يتيح للجراح رؤية أوضح لمسار الأوعية، وبالتالي التعامل مع الحالات المعقدة بثقة وأمان أكبر.
الفوائد المباشرة للمرضى
ما يهم المريض في النهاية هو النتيجة. والذكاء الاصطناعي قدّم فوائد ملموسة، منها: تقليل فترة الانتظار للتشخيص والعلاج ورفع نسب نجاح التدخلات الجراحية والقسطرة وكذلك تقليل الحاجة إلى الإجراءات غير الضرورية وأخيرا تعزيز فرص الوقاية من المضاعفات قبل حدوثها.
تحديات وفرص مستقبلية
رغم كل هذه الإنجازات، ما زال أمامنا تحديات، أهمها ضرورة تكييف هذه التقنيات مع الخصوصية الطبية والبيانات المحلية، وضمان أن تكون في خدمة المريض لا بديلاً عن خبرة الطبيب. فالذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنه يحتاج دائمًا إلى يد الطبيب الخبيرة التي توجّهه وتضع نتائجه في الإطار الصحيح.
كلمة أخيرة
إن دخول الذكاء الاصطناعي إلى تخصص الأوعية الدموية لم يكن مجرد إضافة تقنية، بل كان تغييرًا جوهريًا في طريقة الرعاية الطبية. لقد جعل التشخيص أسرع، والعلاج أدق، والمتابعة أكثر أمانًا. وما نراه اليوم ما هو إلا بداية، فالمستقبل يحمل الكثير من التطبيقات التي ستمنح مرضانا أملًا جديدًا في حياة أكثر صحة وجودة.