وكالات
يترقب اللبنانيون ما قد يجلبه قطاع الغاز من فوائد اقتصادية على الدولة وسط تفاقم الأزمة المعيشية، حيث تبعث الآمال بشأن هذا القطاع بصيص أمل، ولو صغير، لاحتمال إعادة الاقتصاد إلى الطريق الصحيح بعد سنوات من تدهور العملة وتعطل غالبية المؤسسات الحكومية.
ويعتبر عدم التوصل إلى نتائج مهمة في عمليات التنقيب والاستكشاف، إلى جانب الآفاق طويلة الأمد للاستفادة من الموارد الهيدروكربونية المحتملة، سيناريو صعبًا للبنان، خاصة في ظل عدم وجود حلول أخرى لإنعاش اقتصاده.
وقد تم استكمال أنشطة حفر بئر الاستكشاف “قانا 1/31” في موقع الحفر في الرقعة بلوك رقم 9 في المياه البحرية اللبنانية من قبل المشغل شركة “توتال إنرجيز”، حيث تم الانتهاء من جمع البيانات والعينات الناجمة عن أنشطة الحفر هذا الأسبوع من قبل هيئة إدارة قطاع البترول التابعة لوزارة الطاقة والمياه بانتظار التقرير التقني المفصّل الذي تعدّه “توتال”.
في هذا الإطار قالت الهيئة إنه بالرغم من عدم التوصل لاكتشاف مواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر البئر إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملا جديدا ومعطيات إيجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني.
وأضافت: “لقد تمّ من خلال الحفر اختراق الطبقات المستهدفة تأكيد وجود مكمن بنوعية جيدة يحتوي على الغاز في الطبقة الخاصة بلبنان”. و”إن اكتشاف هذا المكمن في حوض قانا يوجب إجراء دراسة موسعة لفهم أعمق يسمح برسم خارطة لهذا النوع من المكامن في حوض قانا وعلى امتداد البلوك 9 والبلوكات المحيطة بهدف تحديد أماكن المكامن التي يمكن أن تحتوي مواد هيدروكاربونية بكميات تجارية”.
وأشارت إلى أن الاهتمام سينصب في الأشهر المقبلة على استعمال البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر من أجل نمذجة أدق لحوض قانا بهدف تحديد الامتداد الجغرافي للمكامن المكتشفة داخله وفي المناطق المحيطة به ورفع نسبة النجاح لتحقيق اكتشافات غازية في المستقبل.
وكانت وسائل إعلام محلية أفادت الأسبوع الماضي بأن شركة “توتال” الفرنسية أبلغت الجانب اللبناني بانتهاء الحفر في البئر الاستكشافية بمنطقة الامتياز رقم 9 دون العثور على غاز، بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر ولم تجد سوى الماء.
وكان بدأ التحالف المكون من “توتال إنيرجي” و”إيني” وقطر للطاقة (بحصة قدرها 35% و35% و30% على التوالي) في أغسطس/آب الماضي بحفر بئر استكشافي في البلوك رقم 9 في لبنان، وهو أحد البلوكات التي تقع بجانب الحدود البحرية التي تم الاتفاق عليها ما بين لبنان وإسرائيل السنة الماضية بوساطة أميركية.
وزير الطاقة اللبناني وليد فياض كان قد أعلن عن بدء أنشطة الاستكشاف بمنطقة الامتياز البحري رقم 9 في 24 أغسطس/آب، وقال إن نتائج الحفر ستظهر بعد 67 يوما من بدايته.
وأثار توقيت إبلاغ “توتال” الجانب اللبناني بانتهاء الحفر العديد من التساؤلات في الشارع اللبناني، إذ أنها تأتي تزامنا مع زيادة التوترات على الصعيد الإقليمي مع تفاقم الحرب بين حماس وإسرائيل وترقب احتمالية تدخل حزب الله وإيران إلى خط الحرب.
وقدم التحالف نفسه، في بداية الشهر، بطلب إلى السلطات اللبنانية للحصول على مشروع عمليات التنقيب في بلوك 8 و10 في المياه اللبنانية.
أكمل الكونسورتيوم (التحالف)، الذي كان يضم في السابق شركة “نوفاتيك” الروسية قبل دخول شركة قطر للطاقة وتوسع حصتها، عمليات الحفر الاستكشافية في الكتلة بلوك 4 البحرية في لبنان في عام 2020 لكنه لم يجد كمية مجدية تجاريًا من الهيدروكربونات في ذلك الوقت، أي أنه تم اكتشاف بعض الآثار للغاز ولكنها ليست بكميات تجارية مجدية للقيام بالمزيد من التطوير.
وقال وزير الطاقة اللبناني وليد فياض حينها إن الكونسورتيوم سيقرر ما إذا كان سيحفر مرة أخرى في المنطقة رقم 4 بحلول 22 أكتوبر.
قطاع الطاقة في لبنان.. هل هو حل لإنعاش الاقتصاد؟
يقول عضو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والخبير في مجال الطاقة سامر سليم، في تصريحات خاصة لـ”العربية.نت”، إن الكثير من اللبنانيين يعتبرون قطاع النفط والغاز حلا ممكنا للأزمة الاقتصادية التي تواجه البلاد. ومع ذلك، فإن “معظمهم لا يدركون أن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 7 إلى 10 سنوات للحصول على أي فوائد مالية من الاكتشافات”.
ويضيف الباحث في مجال الطاقة والزميل المشارك في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب لـ”العربية.نت”، إن بلوك 9 كان يعتبر من الحقول الواعدة لأنه على امتداد يشبه نوعا ما التمدد الجيولوجي للاكتشافات التي تتم في البحر في الحقول المجاورة منها “كاريش” و”تمار” و”تنين”، والتي تم استكشافها جميعا خلال السنوات العشرة الماضية.
كما أشار إلى أن هناك العديد من الدراسات السابقة، أجريت خلال السنوات العشر الماضية، مثل المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد التي كانت تشير إلى احتمال كبير باستكشاف نفط وغاز. وبالتالي، فإن “هذه الوعود والآمال أدت إلى زيادة التعويل على اكتشاف الغاز لتحسين الوضع الاقتصادي في لبنان”.
ما علاقة التوترات الجيوسياسية بعمليات اكتشاف الغاز في لبنان؟
بحسب أيوب، لا توجد أي دلائل واضحة حول احتمالية ربط عملية التنقيب والاستكشافات بالحرب الجارية في غزة إذ أن توقيت إبلاغ “توتال” الجانب اللبناني بانتهاء الحفر هو أمر متوقع.
ويستند إلى تفاصيل الاتفاق، إذ أن نتائج الحفر من المتوقع أن تظهر بعد 67 يوما من بداية التنقيب، حيث من المقرر أن تبحر الباخرة إلى قبرص في منتصف نوفمبر تقريبا بغض النظر عن نتائج الاستكشاف.
“تقنيا، لا أجد أي ارتباط بين الحدثين، توقيت إعلان وزارة الطاقة عدم وجود اكتشاف تجاري في حقل قانا مرتبط بانتهاء أعمال الحفر والوصول إلى نتائج أولية ولا يمكن حتى الساعة الربط بين الحرب وتلك النتائج”.
ويضيف سليم أن حزب الله شارك في المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، مما أدى إلى التوصل إلى اتفاق. ولذلك، فإن حزب الله لا يتعرض لأي ضغط في هذا الصدد، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن النتائج قد تتأثر بدول أخرى في هذا القطاع تحديداً.
لكنه أشار إلى أن من العوامل الرئيسية التي قد تؤثر على تطوير النفط والغاز هي التطورات الجيوسياسية، والتي يمكن أن يكون لها آثار إيجابية وسلبية على المشاريع الجديدة والحالية، وهو أمر “شهدناه سابقا على صعيد العالم. في حالة لبنان، بدأت عملية تطوير النفط والغاز بالفعل، لكن نتائج الاستكشاف قد لا تكون حلاً للقضايا الجيوسياسية”.
دور الحكومة اللبنانية
يعتبر سليم أنه للحكومة اللبنانية دوراً حاسماً في إدارة التوقعات وتنظيم عمليات تنقيب موارد الطاقة البحرية في مياهها الإقليمية. كما يواجه لبنان أزمة اقتصادية وسياسية حادة، ما زاد من الضغوط لاستغلال موارده الهيدروكربونية المحتملة.
“ومع ذلك، يتعين على الحكومة أيضًا تحقيق التوازن بين مصالح مختلف الأطراف في القطاع، مثل المجتمعات المحلية والشركات الدولية والبلدان المجاورة. وتتولى الحكومة مسؤولية وضع الإطار القانوني والمالي، وضمان الشفافية والمساءلة، وتخفيف المخاطر البيئية والاجتماعية”.
ويضيف: لسوء الحظ، في ظل الوضع السياسي الحالي، قد يكون من الأكثر نفعاً واستدامةً للبنان إبقاء القطاع هادئاً حتى تحقيق إصلاحات حقيقية وحوكمة رشيدة.
وكان رد أيوب شبيه، حيث أكد أن دور الدولة هو عدم التعويل على القطاع في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويعتبر أنه في ظل عدم وجود أي مخارج متبقية لحل الأزمة الاقتصادية الحالية أدى إلى اعتبار جمعية المصارف ومسؤولون كبار في الدولة أن قطاع الغاز سيكون الخلاص. و”بدأت الحكومة بالتفكير كيف يمكننا بيع الغاز لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح”.
وأكد أن إيرادات قطاع الغاز لن تكون كافية لسد العجز والفجوة المالية الموجودة في مصرف لبنان. ولا يجب الاتكال على الغاز لحل الأزمة الاقتصادية. وأن “هذه من مسؤوليات الدولة الرئيسية”.