مفهوم الديمقراطية الاتصالية بالمعنى البسيط هو أن يكون للجميع الحق في متابعة الأحداث الجارية والاطلاع على ما يجري من حولهم دون احتكار أو تقييد لتدفق المعلومات من كيانات أو أنظمة أو دول بعينها.
ويجدر بنا في هذا الاطار الإشارة إلى لجنة ماكبرايد الشهيرة في بدايات الثمانينات والتي تبنتها منظمة اليونسكو بهدف مناقشة التدفق الإعلامي العالمي الحر بين الدول والشعوب دون احتكار أو تقييد، و بإعتبار أن التدفق الإعلامي الحر هو ركيزة للتبادل الثقافي العالمي، ونال تقرير لجنة ماكبرايد وقتها عده انتقادات وصل لحد المقاطعة من جانب الدول المهيمنة إعلاميا في ذلك الوقت مثل انجلترا وأمريكا. وكانت مصر حاضرة في عضوية هذه اللجنة ممثلة في الراحل القدير جمال العطيفي السياسي والإعلامي ووزير الإعلام الأسبق والذي أسهم في خروج التقرير النهائي لهذه اللجنة العالمية باليونسكو لأجل إرساء نظام إعلامي عالمي حر وبالأخص لصالح شعوب البلدان النامية.
وعلى الرغم من مستجدات وتطور العالم الاتصالي العالمي مرورا بالفضاءيات وشبكات الإنترنت وانفجار الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي حاليا والتي أذابت الحدود والفواصل وعززت حرية النشر وتدفق المعلومات داخل النظام الإعلامي العالمي- إلا أن النزعة الاستعمارية وأيدولوجية الهيمنة الاتصالية من الكيانات العالمية الكبرى لازالت مسيطرة متخذة أشكالا جديدة في الهيمنة ذات طبيعة إعلامية تجارية واقتصادية أكثر بشاعة ضحيتها شعوب العالم النامي.
فمع التوسع في نظام البث المدفوع مسبقا أو المعروف بالمشفر وتبنيه عالميا من شركات ومؤسسات عالمية، بات من يملك المال فقط هو من يستطيع استهلاك أو مجاراة ومسايرة الإنتاج الإعلامي العالمي أو القاري وأحيانا المحلي أيضا، والأمثلة هنا كثيرة بالاشارة إلى منصات المشاهدة المدفوعة.
وفي نطاق الحقل الرياضى ظهرت مع بداية الألفية الجديد شبكات البث التليفزيوني المدفوع للبطولات الرياضية الكبرى العالمية والقارية مثل كأس العالم وكأس أمم أوروبا وإفريقيا ودوريات الأبطال والدوريات الأوروبية الكبرى بل وشرعت بعض الدول بالمنطقة العربية في السير في هذا الإتجاه وقامت بتشفير بطولاتها الرياضية المحلية سواء لصالح شبكات عالمية أو بتدشين شبكات وطنية خاصة لبث بطولاتها المشفرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل عملية بيع المشاهدة وخاصة بطولات كرة القدم بإعتبارها الأكثر شعبية وجماهيرية هل هو قرار يتناسب وظروف كل الشعوب؟ فالطبع هناك شعوب دخل الفرد فيها يسمح له بالإنفاق على التسلية والترفيه، بينما شعوب أخرى دخل الفرد فيها يكاد يفي بالمتطلبات الدنيا للمعيشة !!
وربما يجيب البعض بأن هذا الأمر من الكماليات والرفاهية من باب ومنطلق اللي” معهوش .. ميلزمهوش ” وهو زعم منطقي حيث خلق الله الناس درجات وكل حسب سعته ومقدرته، ولكن في رأيي أنه عندما يتعلق الأمر بحدث يخص دولة ككل مثل بطولة كاس الأمم الإفريقية أو غيرها من الأحداث فلاشك أن الأمر يحتاج لإعادة نظر من منطلق ترسيخ و اندماج المواطن ووطنه ومشاركته وتفاعله مع الفعاليات التي يكون الوطن طرفا بها، ولا سيما أننا جميعا لمسنا روعة المزاج العام المصري عندما قامت الدولة بتنظيم حدثين سياحيين عالميين وهما حفل موكب المومياوات للمتحف القومي للحضارة وحفل افتتاح طريق الكباش بالأقصر، وما لمسناه من نشوة وفخر وانتماء لمصريتنا.
لذا أدعو إلى انتهاز الأحداث التى يكون الوطن طرفا بها سواء رياضيا أو غير ذلك والاستثمار في تقوية الجبهة الداخلية بربط المواطن بوطنه عبر هذه الأحداث وعدم تركه عرضة للابتزاز أو بعزله عن فعاليات وطنه من كيانات ربحية خارجية.