أحمد مصطفى
التنافس على الموارد كان دائماً هو القاسم المشترك فى تأجج الصراعات والحروب منذ بداية الحياة البشرية ، فإذا كان هذا هو السبب منذ بداية البشرية ، فكيف سيكون الأمر مع التغيرات المناخية التى يصاحبها تراجع اكبر فى الموارد المتاحة ، خاصة فى الدول الافريقية التى تعتمد علي الزراعة والرعى بشكل أساسى فى أمنها الغذائى، وهى نفسها القطاعات الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية ، ويري البعض بأن الصراعات القادمة ستكون صراعاتٍ وحروب مناخية بالدرجة الأولى.
تغير المناخ يمثل تهديداً لدول العالم كافة، ولكن الدول النامية هي الأكثر تعرضاً للانعكاسات السلبية لتغير المناخ، فتشير التقديرات إلى أنها ستتحمل نحو 75 – %80 من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغير المناخ. فازدياد درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين عن درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية– وهو الحد الأدنى الذي من المرجح أن يشهده العالم- يمكن أن يسفر عن إنخفاض دائم للناتج المحلي الإجمالي بنسبة -4 %5 بالنسبة لأفريقيا وجنوب آسيا. فالدول النامية تعتمد بشكل كبير على خدمات المنظومات الإيكولوجية ورأس المال الطبيعي من أجل الإنتاج في قطاعات تتسم بالحساسية تجاه المناخ. ويعيش الكثير من سكانها في مواقع مكشوفة طبيعياً ، وأوضاع اقتصادية خطرة وقدراتها المالية والمؤسسية على التكيف محدودة. ومن المتوقع أن يتم تحويل المزيد من موازناتها التنموية لأغراض التغلب على طوارئ متعلقة بالأحوال الجوية.
ومن جانب أخر أوضحت دراسة «المناخ كعامل خطر للصراعات المسلحة»، المنشورة بمجلة «Nature» فى يونيو 2019، أن 20% من صراعات القرن الماضى تأثرت بالتغيرات المناخية. كما يتوقع تزايد هذه النسبة مستقبلا فى ظل مزيدٍ من التقلبات المناخية والتى من شأنها أن تزيد من مخاطر الصراعات والحروب المناخية.كما أشار عدد من الدراسات إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 4% سوف يزيد من تأثير المناخ على النزاعات بنسبة 26%. وهو ما يعنى تزايد التأثير بمعدل يصل إلى 5 أضعاف التأثير الحالى
وتحذر دراسات من تعرض عدة دول أفريقيا لمخاطر كبيرة بحلول 2050، بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر، كما تشير التقارير إلى أن التغير المناخي يُهدد التراث الثقافي الإنساني في دول إفريقية “
وأكد محمود قاسم فى بحث نشره المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن نشوب الصراعات والاحتراب الداخلى: تؤدى التغيرات المناخية وما يصاحبها من ارتفاع درجات الحرارة، وحالات الجفاف، وتراجع هطول الأمطار، والصراع على الموارد إلى تصاعد حدة الصراعات المسلحة، الأمر الذى قد يتحول لاحقا إلى حرب أهلية تمتد تداعياتها لتطال الاستقرار الداخلى. ويمكن ملاحظة هذا النمط من التأثير فى عدد من الصراعات، يأتى فى مقدمتها الصراع الممتد فى نيجيريا بين الرعاة البدو والمزارعين على الموارد. الذى تسبب فى مقتل أكثر من 3600 شخص خلال ثلاثة أعوامٍ فحسب. كما بلغ هذا الصراع ذروته فى النصف الأول من العام ذاته، ليسجل ما يزيد على 1300 ضحية، وهو ما يتجاوز 6 أضعاف التداعيات الناجمة عن عمليات تنظيم «بوكو حرام» فى نيجيريا فى المدة نفسها.
من جانب أخر أكد عددٌ من التحليلات ارتباط جذور الصراع فى دارفور بالتغيرات المناخية؛ فى ظل انخفاض هطول الأمطار بنسبة 30%، وتراجع الإنتاج الزراعى بنسبة 70%، وارتفاع درجة الحرارة بنحو 1.5 درجة، الأمر الذى ساهم فى تفاقم حدة الصراع. وهو ما عبر عنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كى مون» الذى رأى أن الصراع فى دارفور هو أول صراع ناجم عن التغيرات المناخية فى العالم.
ووفقاً لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة صندوق السلام فأن القرن الافريقي يعانى من تفاقم مشاكل المناخ ويتواجد به دول تعاني من التقلبات المناخية بشكل مستمر كالصومال ، وكينيا، وإرتيريا، وتسجل هذه الدول مؤشرات عالية في نسب العنف الذي يعتبر التغير المناخي أحد أسبابه، وبخاصة تلك الصراعات الناجمة عن حالات الجفاف.
وجاء في تقرير جديد شاركت فيه أجهزة متعددة، بالتنسيق مع المنظمة العالمة للارصاد الجوية والاتحاد الإفريقي وشركاء أخرين في جنيف أن ” تغير أنماط تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وزيادة تطرف الطقس، كلها عوامل ساهمت في تصاعد انعدام الأمن الغذائي، والفقر والنزوح في إفريقيا عام 2020 بالإضافة إلى الأزمة الاجتماعية-الاقتصادية والصحية الناجمة عن جائحة كورونا”.
إن لتغير المناخ تكلفة كبيرة على المستويات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، والانسانية سيتحمل الجزء الاكبر من هذه الفاتورة الدول النامية والاقتصاديات الناشئة .