أنهى الذهب تداولات الأسبوع الماضي ليسجل أفضل أداء أسبوعي له منذ ابريل الماضي، وذلك بعد بيانات التضخم الأمريكية التي زادت من التوقعات أن الفيدرالي الأمريكي قد يحتاج رفع الفائدة مرة واحدة فقط خلال النصف الثاني من العام، الأمر الذي دفع الدولار إلى الانهيار.
ارتفعت أسعار الذهب الفورية خلال الأسبوع الماضي بنسبة 1.6% ليسجل أعلى مستوى منذ شهر عند 1963 دولار للأونصة ليسجل زيادة بأكثر من 30 دولار، ليسجل بذلك الأسبوع الثاني على التوالي من المكاسب، وفق تحليل جولد بيليون.
و انخفضت أسعار الذهب يوم أمس الجمعة بنسبة 0.3% لينهي الذهب بذلك سلسلة من الارتفاعات استمرت لخمس جلسات متتالية استطاع خلالها المعدن النفيس أن يخترق منطقة المقاومة الهامة عند 1930 – 1940 دولار للأونصة.
السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع في أسعار الذهب كان بيانات التضخم الأمريكية عن شهر يونيو، فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاع أقل من المتوقع وسجل أصغر زيادة سنوية منذ أكثر من عامين بنسبة 4.8% وكانت القراءة السابقة 5.3% في ظل استمرار معدلات التضخم في التراجع.
وذكر تحليل جولد بيليون، أن البيانات زادت من التوقعات أن الفيدرالي الأمريكي قد لا يحتاج سوى رفع واحد للفائدة خلال النصف الثاني من العام، وهو ما تم تسعيره بالفعل في الأسواق باحتمال أكثر من 96% برفع الفائدة 25 نقطة أساس خلال اجتماع يوليو الجاري، وتسبب هذا في عمليات بيع مفتوح على الدولار الأمريكي الذي انهار خلال تداولات الأسبوع الماضي وفقا لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية، ليسجل المؤشر انخفاض أسبوعي بنسبة 2.3% وهو أكبر انخفاض أسبوعي منذ شهر نوفمبر 2022، ويصل لأدنى مستوى منذ شهر ابريل 2022 بالقرب من مستويات 99 نقطة.
بالرغم من هذا استطاع مؤشر الدولار الارتفاع يوم أمس قبل الاغلاق الأسبوعي ليسجل ارتفاع يوم الجمعة بنسبة 0.2% بعد أن سجل انخفاض لستة جلسات متتالية، وحصل الذهب على الدعم من ضعف مستويات الدولار وتراجع عوائد السندات الحكومية الأمريكية، فقد انخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات خلال الأسبوع الماضي بنسبة 6% تقريباً وسجل أدنى مستوى في أسبوعين عند 3.754%.
الحذر يسيطر على تداولات الذهب
ورصد تقرير جولد بيلون، أن نسبة ارتفاع الذهب خلال الأسبوع الماضي كانت أقل من نسبة انخفاض الدولار الأمريكي، وهو ما يدل أن حركة الذهب خلال الأسبوع الماضي كانت معتمدة بشكل كامل على ضعف الدولار والعلاقة العكسية بينهما، ولم يشهد الذهب طلب حقيقي بل كان انعكاس لحركة الدولار في الأسواق، ويزيد هذا من الحذر لدى المشاركين في أسواق الذهب خاصة أن السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي لا تزال غير واضحة بشكل كامل، والعديد من أعضاء البنك الفيدرالي صرحوا عقب بيانات التضخم الأخيرة أن على الأسواق عدم وضع فرضيات بناءً على بيانات التضخم وحدها.
وحتى الآن الأسواق تسعر الذهب على رفع واحد للفائدة خلال المتبقي من العام في اجتماع البنك الفيدرالي في يوليو الجاري، ولكن في حالة أشار البنك إلى تمسكه برفع آخر في الفائدة سيكون التأثير سلبي بشكل كبير على أسعار الذهب خاصة أن معدلات التضخم الأساسي لا تزال أعلى منذ ضعف مستهدف البنك للتضخم عند 2%.
من ناحية أخرى هناك حقيقة أخرى وهي أنه حتى إذا توقف البنك الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة بعد اجتماعه القادم، ستظل الفائدة الأمريكية عند أعلى مستوياتها منذ 15 عام ومن المتوقع أن تستمر عند هذا المستوى حتى الربع الأول من العام القادم على أقل تقدير وهو ما بالطبع أمر سلبي بالنسبة لأسواق الذهب.
ارتفاع الطلب على عقود شراء الذهب
أظهر تقرير التزامات المتداولين المفصّل الصادر عن لجنة تداول السلع الآجلة، والذي يُظهر وضع المضاربة على الذهب للأسبوع المنتهي في 11 يوليو، ارتفاع كبير للطلب على عقود شراء الذهب مقارنة مع التقرير السابق بمقدار 240546 عقد بينما ارتفع الطلب على عقود بيع الذهب مقارنة مع التقرير السابق بواقع 74792 عقد.
اظهر التقرير أيضاً ارتفاع إجمالي قرارات التداول على عقود شراء الذهب إلى 248 أمر تداول بينما وصلت أوامر التداول على عقود بيع الذهب إلى 160 أمر تداول.
البيانات المتأخرة الصادرة عن تقرير لجنة تداول السلع الآجلة (COT) تظهر توسع الطلب على عقود الشراء من جديد مع استمرار الطلب على عقود البيع أيضاً، الأمر الذي يصف التحرك الإيجابي الكبير الذي سجله الذهب خلال الأسبوع الماضي.
استمرار الطلب على عقود البيع في التزايد يعكس أيضاً الحذر لدى المستثمرين وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لأسواق الذهب على المدى القصير إلى المتوسط.
مشتريات الذهب من البنوك المركزية
وفقًا لأحدث بيانات مجلس الذهب العالمي أضافت ثمانية بنوك مركزية إلى احتياطاتها من الذهب في مايو مع صافي مشتريات بلغ إجماليها 50 طناً. وذلك باستثناء عملية بيع كبيرة للذهب من قبل البنك المركزي التركي.
فقد قامت تركيا ببيع 63 طناً أخرى من الذهب في مايو لينخفض صافي حيازة البنوك المركزية حول العالم من الذهب بمقدار 27 طناً. حيث باعت تركيا ما يقرب من 160 طنًا من الذهب منذ مارس الماضي فيما يعد استجابة لديناميكيات السوق المحلية ولا يعكس على الأرجح تغييرًا في استراتيجية الذهب طويلة الأجل للبنك المركزي التركي وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي.
كانت بولندا أكبر مشتري للذهب في مايو حيث أضافت 19 طناً من الذهب إلى احتياطاتها. يأتي هذا في أعقاب زيادة قدرها 15 طنًا في أبريل عندما استأنف بنك بولندا الوطني شراء الذهب. كان شراء مايو أكبر زيادة في احتياطيات البلاد منذ يونيو 2019 عندما عزز البنك حيازاته من الذهب بنحو 100 طن.
تظهر البيانات السابق الإشارة إليها إلا أن الذهب يشهد فترة من عدم الاستقرار وعدم وضوح الاتجاه بسبب تغير توقعات أسعار الفائدة وهو ما يدفع المشاركين في الأسواق حول العالم إلى تغيير مستويات حيازاتهم واستثماراتهم في الذهب.
ولكن بشكل عام يجد الذهب أرض صلبة قوية من مشتريات البنوك المركزي العالمية للذهب وزيادة احتياطاتها في ظل عدم الاستقرار الجيوسياسي والرغبة في تنويع الاحتياطيات وعدم الاعتماد على الدولار الأمريكي وحده.
أسعار الذهب في مصر
شهد الأسبوع الماضي في أسواق الذهب المحلية تذبذب تحت المستوى 2200 جنيه للجرام عيار 21 ليصبح سعر افتتاح الأسبوع وسعر الاغلاق تقريب عند مستويات قريبة، الأمر الذي يدل على حدوث فارق في التسعير بين السوق المحلي والسوق العالمي الذي شهد ارتفاع كبير في أسعار الأونصة، وفق جولد بيليون، وسجل سعر الذهب عيار 21 الأكثر شيوعاً اليوم السبت 2190 جنيه للجرام بينما سجل الجنيه الذهب 17560 جنيه.
وشدد تقرير جولد بيليون على أن محاولات الذهب لتخطي حاجز 2200 جنيه للجرام خلال الأسبوع الماضي باءت بالفشل على الرغم ارتفاع السعر العالمي، وذلك بسبب أن عوامل التسعير الأخرى للذهب، فالطلب المحلي يشهد تراجع وهدوء خلال هذه الفترة في ظل تقلص للسيولة النقدية في الأسواق، بينما نجد أن سعر صرف الدولار في السوق الموازية ثابت إلى حد كبير حيث يشهد السوق تراجع في الطلب على الدولار الأمر الذي أدى إلى تذبذب تسعير الذهب كما شاهدنا خلال الأسبوع الماضي.
وكانت أسعار الذهب شهدت خلال فترة عطلة العيد الأضحى تذبذب حاد في الأسعار دفعها إلى الارتفاع الكبير لمستويات 2300 جنيه للجرام قبل أن تنخفض بعدها بشكل تدريجي وتصل لمستويات 2170 جنيه للجرام.
هذا التذبذب الحاد خلال فترة العيد والتي شهدت تراجع كبير في الطلب والتنفيذ تسبب في ضعف الثقة لدى المشاركين في الأسواق في تحركات الذهب ليبدأ بعدها السعر في التراجع التدريجي وصولاً للمستويات السابق ذكرها.
أحد أهم العوامل التي ساعدت على هدوء الأسواق خلال الأسبوع الماضي كان المؤتمر الصحفي للحكومة المصرية لعرض نتائج برنامج الطروحات الحكومي حتى الآن، والخطط المستقبلية لتحركات الحكومة في الأزمة الحالية وكيفية تدبير العملة الصعبة للوفاء بالتزامات البلاد.
وجاء في المؤتمر أن الحكومة المصرية استطاعت توفير عقود بيع لطروحاتها الحكومية بقيمة 1.9 مليار دولار منها حصيلة دولارية بقيمة 1.6 مليار دولار والباقي سيتم تحصيله بالجنيه المصري.
وتم الإعلان عن عدد من الصفقات الحالية والتي لم يتم الانتهاء منها بعد، وأظهر توجه الحكومة إلى زيادة الحصيلة الدولارية خلال السنوات الثلاثة القادمة ليصبح إجمالي الدخل الحكومي 191 مليار دولار خلال عام 2026 القادم.
توقعات أسعار الذهب
أغلقت أسعار الذهب الفورية تداولات الأسبوع عند المستوى 1955 دولار للأونصة فوق المستوى 1950 دولار للأونصة وهو ما يعد إيجابي بالنسبة لحركة الذهب خلال الفترة القادمة، ولكن قد تواجه أسواق الذهب بعد التحركات العرضية بسبب منطقة المقاومة الجديدة.
الذهب حالياً يعد عالقاً بين منطقة 1935 – 1965 دولار للأونصة وفي حالة الارتفاع وكسر هذه المنطقة سيواجه منطقة المقاومة الأهم عند 1975 – 1980 دولار للأونصة. بينما الهبوط تحت المستوى 1935 دولار للأونصة يعيده إلى اختبار منطقة الدعم فوق المستوى 1900 دولار للأونصة.
بالنسبة لأسعار الذهب المحلية فنجد أن الأسعار فشلت خلال الأسبوع الماضي في اختراق المستوى 2200 جنيه للجرام عيار 21، وهو المستوى الذي أجبر الأسعار على التراجع خلال الفترة الأخيرة وحد من زخم الصعود.
الجدير بالذكر ان نجاح الأسعار في الاختراق الناجح لمستوى 2200 جنيه للجرام والاغلاق فوقه سيساعد على استمرار الصعود في أسعار الذهب واستهداف مناطق المستوى 2220 ومن بعده المستوى 2250 جنيه للجرام.
بينما تمثل مناطق المستوى 2170 جنيه للجرام منطقة الدعم الحالية للأسعار وكسرها يدفع الذهب للوصول إلى المستوى 2150 جنيه للجرام.