أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمية، أن مصر لديها مقومات تحقيق التقدم من زخم بشري وتنوع اقتصادي كبيرين، مع أهمية وجود الأفكار والتعلم من تجارب التقدم الناجحة حول العالم مثل دول مجموعة الآسيان، والتمسك بالتراكم عبر الوقت والاستمرارية.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها بمقر المجمع العلمي المصري بعنوان “فرص وتحديات التقدم والاستدامة في عالم شديد التغير”، وذلك بحضور الدكتور فاروق إسماعيل، رئيس المجمع، والدكتور سعد نصار، نائب رئيس المجمع، والدكتور محمد الشرنوبي، أمين عام المجمع، إلى جانب عدد من الوزراء السابقين والمختصين والأكاديميين وخبراء السياسة والاقتصاد.
وقال محيي الدين إن تحقيق التقدم يتطلب في البداية استدعاء الماضي وفهمه، وإدراك للواقع وآلياته، واستشراف المستقبل، مشيرًا إلى أهمية تتبع مركز الثقل الاقتصادي العالمي التي كانت في الشرق بين الصين والهند قبل بداية الثورة الصناعية الأولى في بدايات القرن التاسع عشر، ثم انتقلت إلى الغرب بين الولايات المتحدة وأوروبا، ثم تتجه حاليًا مرة أخرى إلى الشرق حيث الصين والهند.
ولفت إلى أهمية تتبع حركة شرائح الدخل كأحد مؤشرات التقدم، موضحًا أن نجاح الصين والهند في السنوات الأخيرة في القضاء على الفقر المدقع كأحد أهداف التنمية المستدامة أدى إلى تحسن مستوى الفئات الأقل دخلًا وزيادة حجم الطبقة الوسطى، في الوقت ذاته، تراجع مستوى الطبقة الوسطى في أوروبا والولايات المتحدة بعد الأزمة المالية عام ٢٠٠٨، وأدى ذلك إلى احتقان نتج عنه ظهور للتيارات اليمينية والشعبوية.
وأوضح محيي الدين أن ما سبق يشير إلى أن العالم في الفترة المقبلة سيتجه شرقًا حيث التجارب الناجحة للنمو الاقتصادي والتنمية في الصين والهند ودول الآسيان، ومن ثم تزايد احتمالات الصراع والصدام مع عدم قبول الغرب لمنح المساحة للشرق على أرض التقدم والازدهار، والتمسك بمنهج وجود مجموعة محددة من الدول تحافظ على النظام العالمي حتى ولو استدعى التدخل في الأزمات والشئون الخاصة بدول أخرى.
وأفاد محيي الدين بأن هذه التحولات أدت إلى تزايد الأزمات وتصاعد الصراعات الجيوسياسية، كما أن المنافسة على تحقيق التقدم جعلت العالم أشد وأسرع تغيرًا، وهو ما يتطلب من الدول المختلف سرعة مواكبة هذه التغيرات في سبيل تحقيق النمو والتنمية.
وقال محيي الدين إن تحقيق التقدم يواجه عددًا من المربكات مثل التحولات الديمغرافية وسرعة التحضر والانتقال من الريف إلى الحضر، إلى جانب بعض الأزمات مثل التغير المناخي وما يترتب عليه من نزوح وصراعات على الموارد ومصادر الطاقة، موضحًا أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب مواجهة هذه المربكات.
وأكد محيي الدين أن التحول الأخضر والتحول الرقمي هما جناحا التقدم والتنمية، مع أهمية تعزيز العمل التنموي الإقليمي، والعمل على توطين التنمية من خلال الاستثمار في البشر وتعزيز خدمات الصحة والتعليم ومواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، موضحًا أن مبادرة “حياة كريمة” في مصر تعد من المبادرات الهامة في العالم لتوطين التنمية، وهي تحتاج لمزيد من الدعم والتمويل لإحداث النقلة المستهدفة.
ونوه محيي الدين عن قدرة مصر على تحقيق التنمية إذا ما تم الاستغلال الأمثل للزخم السكاني والتنوع الاقتصادي وتحقيق التحول الرقمي والاستثمار في تعزيز التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بملف التكنولوجيا والذي انعكس في لقاءه بعدد من كبريات شركات التكنولوجيا في العالم، وهو ما قد يمثل نقطة انطلاق للنقلة التكنولوجية المطلوبة في مصر.
ودار نقاش بين الدكتور محمود محيي الدين والمشاركين في الندوة من أعضاء المجمع العلمي والحضور من الوزراء السابقين والأكاديميين تناول عدد من الموضوعات منها التحديات التي تواجه الدول في الطريق للتقدم، ودور بعض التكتلات الدولية في المشهد الاقتصادي العالمي ومنها البريكس، ومفهوم توطين التنمية، والتحديات التي تواجه مصر لتحقيق التنمية المستدامة والتي من شأنها أن تضع مصر في مكانة مميزة بين الدول المتقدمة.
وفي نهاية اللقاء، قدم الدكتور فاروق إسماعيل، رئيس المجمع العلمي، شهادة عضوية المجمع للدكتور محمود محيي الدين، كما أهداه درع المجمع، ومن جانبه، تقدم محيي الدين بعدد من مؤلفاته باللغتين العربية والإنجليزية لمكتبة المجمع.