ثبتت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني التصنيف الائتماني طويل الأجل للعملات الأجنبية لجمهورية مصر العربية عند درجة “B”، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأوضحت الوكالة في تقريرها أن التصنيف مدعوم بعوامل إيجابية، أبرزها حجم الاقتصاد المصري الكبير نسبياً، والنمو المرتفع المحتمل في الناتج المحلي الإجمالي، والدعم القوي من الشركاء الدوليين والثنائيين. ومع ذلك، توازن هذه العوامل تحديات قائمة تتعلق بضعف الوضع المالي للحكومة، خاصةً في ظل ارتفاع نسبة الفوائد إلى الإيرادات، واحتياجات التمويل الخارجي الكبيرة، وتذبذب تدفقات رؤوس الأموال، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم والمخاطر الجيوسياسية.
وأشارت الوكالة إلى أن مصر تمكنت من الحفاظ على احتياطياتها الخارجية بعد تدفقات قوية في الربع الأول من عام 2024، مدفوعة بصفقة “رأس الحكمة” وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوق الدين المحلي. وارتفعت الاحتياطيات الدولية بمقدار 12.4 مليار دولار منذ بداية عام 2024، لتصل إلى 45.5 مليار دولار في مارس 2025. كما شهد صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي تحسنًا ملموسًا، إذ تحوّل من عجز قدره 17.6 مليار دولار في يناير 2024 إلى فائض بـ2.8 مليار دولار في يونيو، قبل أن يسجل عجزًا طفيفًا بـ1.9 مليار دولار في فبراير 2025. وأوضحت “فيتش” أن هذا التراجع المحدود ترافق مع خروج معتدل لرؤوس الأموال، مما ساعد على استقرار سعر صرف الجنيه.
اتساع عجز الحساب الجاري
تتوقع “فيتش” أن يتسع عجز الحساب الجاري بنحو 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2025 (المنتهية في يونيو 2025)، ليبلغ 5.6%، قبل أن ينخفض إلى 4.0% في العام التالي. ويُعزى هذا التحسن إلى تعافٍ تدريجي في عجز قطاع الطاقة بفضل عودة جزئية لاستثمارات الشركات العالمية، وانخفاض تكلفة استيراد الغاز. وأضافت الوكالة أن التأثيرات المباشرة من الرسوم الجمركية الأميركية أو خفض المساعدات الأميركية لمصر تظل محدودة.
15 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة
توقعت الوكالة ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 15 مليار دولار (ما يعادل 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي) في السنة المالية 2026، مدفوعة باستثمارات عقارية جديدة من دول الخليج. كما توقعت أن تُختتم السنة المالية 2026 باحتياطيات تغطي 4.2 أشهر من المدفوعات الخارجية، مقارنة بـ5.1 أشهر في 2024، وهو ما يتماشى مع متوسط الدول ذات التصنيف “B”.
تحسن جزئي في إيرادات قناة السويس
توقعت “فيتش” أن تتعافى إيرادات قناة السويس جزئيًا فقط خلال السنة المالية 2026، لتصل إلى نحو 60% من مستويات عام 2023، بسبب تداعيات الصراعات الإقليمية. وأشارت إلى أن هذه الصراعات تمثل خطرًا متوسطًا على إيرادات السياحة، التي أظهرت مرونة بارتفاع نسبته 5% في 2024، ومن المتوقع أن ترتفع بنسبة 9% في السنة المالية المقبلة. كما أفادت بأن السيناريو الأساسي يفترض عدم وجود تدفق كبير للاجئين من غزة.
عوامل داخلية تؤثر على الاستقرار
أكدت الوكالة أن ارتفاع التضخم، وبطالة الشباب، وضعف الحوكمة تمثل تحديات رئيسية قد تؤثر على الاستقرار الاجتماعي، كما أن الدور الواسع للجهات السيادية يعقد تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
مرونة سعر الصرف
أشادت الوكالة بمرونة سعر الصرف بعد تخفيض الجنيه في مارس 2024، مشيرة إلى غياب الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، وتقليص كبير في الطلبات غير المنفذة على العملات الأجنبية. لكنها حذرت من أن البنك المركزي لا يتمتع باستقلالية كاملة، وأن آلية استهداف التضخم لا تزال غير مكتملة، مما يجعل أي صدمة خارجية اختبارًا حقيقيًا للسياسات النقدية.
عجز مالي مرتفع
تتوقع “فيتش” اتساع عجز الموازنة العامة إلى 7.4% من الناتج المحلي في السنة المالية 2025، متأثرًا بغياب إيرادات استثنائية مثل صفقة “رأس الحكمة” وتكاليف خدمة الدين المرتفعة. وأشارت إلى أن العجز يتسع رغم انخفاض الإنفاق الاستثماري وزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 38%، مدفوعة بنمو الاستهلاك، وفرض ضرائب جديدة، وتقليص الإعفاءات الضريبية، وتحسين الالتزام الضريبي. وتخطط الحكومة لزيادة الإيرادات بنحو 1% من الناتج في السنة المالية 2026، عبر توسيع ضريبة القيمة المضافة، ما سيسهم في خفض العجز إلى 7.2%.
الإنفاق خارج الموازنة
رغم الجهود المبذولة للحد من الإنفاق خارج الموازنة، لا تزال هناك مخاطر كبيرة نتيجة اتساع القطاع العام. ولم تُصدر الحكومة بيانات رسمية تؤكد الالتزام بسقف التريليون جنيه للاستثمارات العامة، رغم مؤشرات على تباطؤ الاستثمار وفق الحسابات القومية، مع استمرار الشكوك حول استدامة الالتزام السياسي بهذا النهج.
الدين العام
تتوقع “فيتش” تراجع الدين العام إلى 80.4% من الناتج المحلي بحلول نهاية 2026، مقارنة بـ89.4% في 2024، لكنه يظل أعلى بكثير من متوسط الدول ذات التصنيف “B” البالغ 50.6%.
انخفاض في التضخم
انخفض معدل التضخم إلى 13.6% في مارس، مقارنة بـ24% في يناير و33.4% في مارس 2024، في حين بلغ التضخم الأساسي 9.4%. وتتوقع “فيتش” ارتفاع التضخم إلى 14% بنهاية 2025 نتيجة تقليص دعم الوقود، قبل أن يعود إلى 10.5% بنهاية 2026، لكنه سيظل أعلى من متوسط الدول ذات التصنيف المماثل البالغ 4.5%.
انخفاض تدريجي في تكاليف الدين
توقعت الوكالة أن يتم خفض سعر الفائدة الأساسي تدريجيًا من مستواه الحالي البالغ 27.25% ليحقق معدل فائدة حقيقي يبلغ 4% بحلول 2026، ما يدعم تراجع تكاليف فوائد الدين. ومن المنتظر أن تنخفض نسبة فوائد الدين إلى الإيرادات من ذروتها (61%) في 2026 إلى 38% في 2029، لكنها ستظل أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط لفئة “B” (12%).
تحسن تدريجي في النمو
تتوقع “فيتش” تسارع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى 4.0% في 2025، بعد تسجيله 2.4% في 2024، على أن يرتفع إلى 4.7% في 2026 بدعم من تحسن الدخول الحقيقية. ورغم التزام الحكومة ببرنامج صندوق النقد الدولي، أشارت الوكالة إلى بطء وتيرة الإصلاحات الهيكلية. ومن أبرز الإنجازات: تبسيط النظام الضريبي، تقليص إعفاءات الكيانات الحكومية، وتحسين الإجراءات الجمركية، بينما كانت جهود الخصخصة محدودة.
القطاع المصرفي
أشادت “فيتش” بقوة القطاع المصرفي المصري، من حيث الحجم والسيولة، ما يمنح الحكومة قدرة مرنة على التمويل. وسجلت نسبة القروض إلى الودائع 62.5% في نهاية 2024. وتوقعت الوكالة استمرار نمو الودائع، وتوجيه البنوك سيولتها للاستثمار في أدوات الدين الحكومية. كما توقعت ارتفاع معدل الشريحة الأولى من رأس المال الأساسي، والذي بلغ 12.7%، وتراجع نمو صافي الأرباح إلى ما بين 30% و50% في 2025، مقارنة بـ89% في 2024.
ما الذي قد يؤدي إلى رفع التصنيف؟
حددت “فيتش” عددًا من العوامل التي قد تؤدي إلى رفع التصنيف، منها تحسن الاحتياطيات الدولية، انخفاض عجز الحساب الجاري، تنفيذ إصلاحات تقلل من المخاطر الخارجية، وتراجع التضخم. كما شملت تحسن القدرة على تمويل الدين، وخفض نسبته إلى الناتج المحلي، وتراجع تكلفة خدمة الدين.
عوامل قد تؤدي إلى خفض التصنيف
شملت المخاطر التي قد تؤدي إلى خفض التصنيف تدهور الوضع الخارجي، تراجع الالتزام بمرونة سعر الصرف، انخفاض الاحتياطيات، استمرار عجز الحساب الجاري، صعوبات في التمويل الخارجي، تصاعد الدين العام، ضعف القدرة على ضبط المالية العامة، وتزايد الاضطرابات الإقليمية التي قد تؤثر على السياحة وقناة السويس وثقة المستثمرين، إلى جانب التحديات الاجتماعية والسياسية المحلية.