بقلم / هاني أبو الفتوح
قد يكون قرار لجنة السياسة النقدية في اجتماعها القادم الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية دون تغيير هو الخيار الأكثر احتمالًا، وهذا برغم الارتفاع الكبير في معدل التضخم خلال أغسطس الحالي. إذ بلغ معدل التضخم 39.7% على مستوى الجمهورية، ووصل معدل التضخم الأساسي الذي يعده البنك المركزي إلى 40.4%. وعلى الرغم من القرارات السابقة لرفع الفائدة في الاجتماعات السابقة، إضافة إلى زيادات سابقة خلال العام الماضي بلغ إجماليها 11%، إلا أنها لم تنجح في السيطرة على معدل التضخم. ومن هذا المنطلق، يبدو أن البنك المركزي يفضل الانتظار لمراقبة تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة على الأسواق قبل اتخاذ أي إجراء جديد بشأن الفائدة.
مع ذلك، مازالت العوامل الأساسية التي تسبب التضخم قائمة وقائمة بقوة. واحدة من هذه العوامل هي انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، والذي يؤثر بشكل كبير على أسعار السلع المستوردة. وأيضًا تراكم الحاويات في الموانئ بسبب نقص العملة الأجنبية اللازمة للإفراج عن الشحنات المستوردة من الخارج يزيد من الضغوط على أسعار السلع.
أما عن معدل التضخم، من المتوقع أن يستمر في الارتفاع خلال الربع الأخير من العام الحالي بفارق كبير عن معدلات التضخم المستهدفة من البنك المركزي، حيث يتوقع أن تكون عند مستوى 7% بزيادة أو نقص 2 نقطة مئوية خلال الربع الرابع من عام 2024. وفي الربع الرابع من عام 2026، يتوقع أن تكون معدلات التضخم مستقرة عند مستوى 5% بزيادة أو نقص 2 نقطة مئوية.
وعلى الرغم من محاولات السيطرة على التضخم، فإن مساره ما زال تصاعديًا، وهذا يعود جزئياً إلى ضغط أسعار الغذاء والتبغ والطاقة بشكل رئيسي. لكن من الممكن أن يتجاوز معدل التضخم مستوى 40% خلال الربع الأخير من العام الحالي، وربما يزيد إلى مستوى 45% حتى الربع الثاني من عام 2024 إذا تم تخفيض قيمة الجنيه وتباطؤ برنامج الطروحات الحكومية الذي يعول عليه ضخ حصيلة من النقد الأجنبي لسداد الالتزامات المالية بما فيها الاستيراد، إذ أن موارد مصر من الدولار تفوق احتياجاتها في الاستيراد. فبينما تبلغ حجم مواردنا 150 مليار دولار تبلغ فاتورة الاستيراد نحو 85 مليار دولار سنويا.
فيما يتعلق بسعر الصرف، يُظهر السيناريو الأكثر احتمالًا أن يتم الإبقاء على سعر الصرف ثابتًا حتى نهاية العام الحالي. ورغم التوقعات المتزايدة بتخفيض قيمة الجنيه استجابةً لضغوط صندوق النقد الدولي، إلا أن هذا السيناريو يعتمد على بطء التقدم في بيع حصة الحكومة في الشركات المملوكة للدولة، وعلى رغبة الحكومة في الحفاظ على استقرار الأوضاع المعيشية للمواطنين على المدى البعيد. وهذا قد يمكن أن يخفف من ضغوط التضخم المتصاعد ويسهم في تحقيق استقرار اقتصادي أكبر.
من ناحية أخرى، تشير العقود الآجلة غير القابلة للتسليم إلى توقعات بأن يتم تسعير الجنيه المصري عند مستوى 32.65 جنيه للدولار خلال الثلاثة أشهر القادمة، و41.5 جنيه للدولار خلال السنة القادمة. وهذا يدعم فرضية تخفيض قيمة الجنيه في العام القادم بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية.
في الختام، تظل توقعات الفائدة والتضخم وسعر الصرف في مصر محور اهتمام كبير للمستثمرين والمحللين الاقتصاديين. وينبغي على الحكومة والبنك المركزي اتخاذ إجراءات دقيقة وفعّالة للتعامل مع هذه التحديات وضمان استقرار الاقتصاد المصري في الفترة القادمة، حيث أن توفير الاستقرار الاقتصادي يسهم في تعزيز الثقة في السوق المصرية ويجذب المزيد من الاستثمارات، مما يعزز من فرص النمو والازدهار في البلاد.