تحتضن المدينة المنورة العديد من المساجد التاريخية التي تعبر عن الفترة الزمنية لعهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن احتضانها لثاني مسجد تشد إليه الرحال “المسجد النبوي الشريف”، إذ يحرص الحجاج والمعتمرون والزوار لطيبة الطيبة على زيارة هذه المساجد حيث جاء في الأثر أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم أدوا الصلاة فيها أو كانت عامرة بنزول الوحي.
ويبرز مسجد القبلتين في المدينة المنورة كواحد من المساجد التاريخية، حيث شهد التحول الكبير في قبلة المسلمين لأداء صلواتهم في المدينة المنورة للعام الثاني من الهجرة النبوية، لتسجل بذلك أحد أهم المراحل التاريخية في تاريخ الأمة الإسلامية وقت زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم بشر من بني سلمة معزياً فصنعت له طعاماً وعند صلاة الظهر نهض عليه السلام يصلي ، وبعد أن أتم ركعتين نزل عليه الوحي بالتوجه أثناء أداء الصلاة إلى الكعبة المشرفة في الآية الكريمة ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
وهنا كان لمسجد القبلتين أهمية كبيرة نظير ذلك التحول الكبير، وسمي بذلك الاسم كونه كان يُصلى فيه باتجاه بيت المقدس في فلسطين وبعد نزول الوحي تمت الصلاة باتجاه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
ويعد مسجد القبلتين في المدينة المنورة من أهم المساجد التاريخية التي يتطلع المسلمون في العالم لزيارتها لمعاينة أثر السيرة النبوية واقعاً على الأرض واستشعاراً بقيمة تلك المواقف التاريخية في نفوسهم وتمتلك المدينة المنورة العديد من المواقع والمعالم التاريخية الإسلامية، التي يقصدها حجاج بيت الرحمن زوار المدينة المنورة ، لاستذكار أحداث النبوة.
ويقع مسجد القبلتين بالمدينة المنورة على ربوة من الحرة الغربية بالمدينة ويبعد عن المسجد النبوي بنحو أربعة كلم ، وقد بني في الأساس من اللبن والسعف وجذوع النخيل, ونظرا للأهمية الخاصة التي اكتسبها في التاريخ الإسلامي تعاقبت عليه أعمال الترميم والتوسعة والتجديد .
وفي العهد السعودي صدرت الأوامر بهدم المسجد وإعادة بنائه وإعادة تخطيط المنطقة التي يقع المسجد فيها وتوسعته وفق أحدث التقنيات والتصاميم الهندسيـة مع إضفاء اللمسة الهندسية المعمارية ذات الطابع الإسلامي.
وكأحد أحد أهم معالم التاريخية في المدينة المنورة “المساجد السبعة”، وهي مجموعة من المساجد الصغيرة, وعددها الحقيقي ستة وليس سبعة كما هي شهرتها، لكنها اشتهرت بهذا الاسم ” السبع المساجد ” حيث أورد المؤرخون أن “مسجد القبلتين” الذي يبعد عنها كيلو متر تقريباً يضاف إليها لأن من يزور تلك المساجد عادةً يزوره أيضاً في نفس الرحلة فيصبح عددها سبعة.
وتقع هذه المساجد السبعة في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من موقع الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبوة للدفاع عن المدينة المنورة عندما زحفت إليها جيوش قريش والقبائل المتحالفة معها سنة خمس للهجرة وعندها وقعت أحداث غزوة الخندق التي تعرف أيضاً بمسمى غزوة الأحزاب.
وكانت هذه المواقع مرابطة ومراقبة في تلك الغزوة وقد سمي كل مسجد باسم من رابط فيه عدا مسجد الفتح الذي بني في موقع قبة ضربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المساجد على التوالي من الشمال إلى الجنوب مسجد الفتح، ومسجد سلمان الفارسي، ومسجد أبي بكر الصديق، إضافة إلى مسجد عمر بن الخطاب، ومسجد علي بن أبي طالب، ومسجد فاطمة.
ويعرف أكبر المساجد السبعة بمسجد الأحزاب أو المسجد الأعلى، وهو مبني فوق رابية في السفح الغربي لجبل سلع، وسمي بهذا الاسم لأنه كان خلال غزوة الأحزاب مصلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن سورة الفتح أنزلت في موقعه، وتلك الغزوة كانت في نتائجها فتحاً على المسلمين.
كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في موضعه على الأحزاب ثلاثة أيام فأستجيب له في اليوم الثالث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فأستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه قال جابر ” فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة ” رواه أحمد.
ويقع مسجد سلمان الفارسي ثاني المساجد جنوبي مسجد الفتح مباشرة وعلى بعد عشرين متراً منه فقط في قاعدة جبل سلع وسمي باسم الصحابي سلمان الفارسي صاحب فكرة حفر الخندق لتحصين المدينة من غزو الأحزاب ويتكون من رواق واحد طوله وعرضه 7 أمتار ودرجة صغيرة عرضها متران وبني هذا المسجد في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة أيضاً وجدد بأمر الوزير سيف الدين أبي الهيجاء عام 575 هـ وأعيد بناؤه في عهد السلطان العثماني عبد المجيد الأول.
فيما ارتبط مسجد الجمعة بالمدينة المنورة بالأيام الأولى لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم, حيث نزل عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة في قباء أربعة أيام حتى صباح يوم الجمعة الموافق 16 من شهر ربيع أول من العام الأول من الهجرة، ثم خرج صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى المدينة المنورة، وعلى مقربة من محل إقامته بقباء أدركته صلاة الجمعة فصلاها في بطن (وادي الرانوناء)، وقد حدّد المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة، وسمي بعد ذلك بمسجد الجمعة.
ويحرص الكثير من الحجاج والزائرين للمدينة المنورة على زيارة المسجد والصلاة فيه بوصفه أحد الأماكن الدينية التاريخية التي تحمل مكانة بارزة في التاريخ الإسلامي.
ولمسجد الجمعة العديد من المسميات، إذ يطلق عليه اسم مسجد الجمعة، ويسمى أيضاً مسجد الوادي، كما يطلق عليه اسم مسجد عاتكة، ومسجد القبيب نسبة إلى المحل الذي بُني فيه.
وجدد المسجد في عهد عمر بن عبد العزيز , وفي العصر العباسي ما بين 155 ـ 159هـ، وفي نهاية القرن التاسع الهجري خرب سقفه فجدده شمس الدين قاوان.
يذكر أن المسجد قبل التوسعة الأخيرة قد بني فوق رابية صغيرة طوله 8 أمتار، وعرضه 5 ,4 أمتار، وارتفاعه 5,5 أمتار، وله قبة واحدة مبنية بالطوب الأحمر وفي شماله رواق طوله 8 أمتار، وعرضه 6 أمتار.
وفي عام 1409هـ، أمر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بهدم المسجد القديم وإعادة بنائه وتوسعته وتزويده بالمرافق والخدمات اللازمة، حيث يضم سكنًا للإمام والمؤذن، ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، ومصلى للنسـاء، ودورات المياه.
وافتتح المسجد في عام 1412 هـ وأصبح يستوعب 650 مصليًا، بعد أن كان لا يستـوعب أكثر من سبعين مصليًا، كما يحوي المسجد منارة رفيعة ، وقبة رئيسة تتوسط ساحة الصلاة، إضافة إلى أربع قباب صغيرة تتوزّع في جنباته.