أ ش أ
من أمام مدخل قاعة “لافيليت الكبرى” حيث يقام معرض “رمسيس وذهب الفراعنة”، لم يختلف المشهد كثيرا مقارنة بيومه الأول في 7 أبريل الماضي، فقد اصطف الكثيرون من مختلف الأعمار ينتظرون بشغف رؤية القطع الأثرية الثمينة للملك رمسيس الثاني بالمعرض، في نهاية رحلته في العاصمة الفرنسية باريس، ثالث محطات جولاته الخارجية التي شملت مدينتي هيوستن وسان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2022.
وقد شهد المعرض إقبالا كبيرا منذ يومه الأول وحتى الآن في نهاية رحلته والممتدة حتى الغد 10 سبتمبر، واكتظت ساحات الانتظار بالعديد من المواطنين من نساء ورجال وكبار سن، ولكن ما أثير الانتباه هو وجود عدد كبير من الأطفال، مثل “بول” يبلغ من العمر 7 سنوات، الذي أعجب بشدة برؤية مومياوات الحيوانات، قائلا لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس: “هذه أول مرة أرى فيها مومياء لحيوان.. أحببتها للغاية”.
و”هنري” (12 سنة) الذي جاء خصيصا من مدينة “بوردو” (جنوب غرب فرنسا) لزيارة المعرض مع والده خاصة وأنه زار أيضا معرض “توت عنخ آمون” في عام 2019، وأعجب بشدة بالآثار الفرعونية، أما والده، فيقول”بذلت كل ما في وسعي حتى أتمكن من زيارة المعرض وأتيت مع ابني، فأنا أحب علم المصريات وكل شيئ هنا مثير للإعجاب وسيبقى هذا ذكرى، وإذا أتيحت لنا الفرصة لزيارة المتحف المصري الكبير في مصر فهذا سيكون جيدا للغاية”.
ورأت “كاترين” القطع الأثرية متنوعة وهذا ما أثار إعجابها بشدة، إذ أشادت باختيار المعروضات بعناية وكانت الأجواء بالنسبة لها جيدة بالرغم من الزحام الشديد، قائلة “الزيارة مكثفة وزاخرة بالمعلومات ومتنوعة في نفس الوقت، كان هناك الكثير الذي يجب قراءته وقدمت المعروضات بشكل مبسط وسهل، هذا المعرض بالفعل “فرصة لاكتشاف أشياء مثيرة للاهتمام بصريا وفكريا وهوشيئ رائع للجميع”.
ولم يجذب المعرض فقط الزوار من عشاق الحضارة المصرية القديمة، ولكن أيضا عددا من الأكاديميين والعاملين في صناعة السياحة، مثل “حنان” مرشدة سياحية مصرية، جاءت إلى المعرض في أيامه الأخيرة في باريس معتقدة أن عدد الزوار سيكون أقل، إلا أنها تفاجئت بهذا العدد الهائل، قائلة “في نهاية المعرض العدد هائل جدا، وهو ما أدهشني وسعدت بوجود الأطفال هنا”.
وقالت “إن الجمهور الفرنسي محب جدا للآثار المصرية، لذلك بالتأكيد هذا المعرض سيولد لديهم رغبة الذهاب إلى مصر لرؤية تلك الآثار وخاصة في الشتاء المقبل، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير”.
ويسلط المعرض، الضوء على حياة وحكم الملك رمسيس الثاني لمصر، الفرعون الأقوى والأشهر في تاريخ مصر القديم، إلا أنه يبرز موضوعات أخرى، مثلما أشارت “إيزابيلا” قائلة: “هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها معرض كهذا، وأعجبت حقا بمكانة المرأة في مصر القديمة حيث كانت تسبق عصرنا، فضلا عن كل هذا التقدم التكنولوجي الذي تحقق فيما يتعلق بالطب، وعلم الفلك، وأحد أحلامي الآن أن أزور مصر”.
وفي التجول داخل أروقة المعرض، نجد الأطفال في كل مكان، من يستمع إلى الشرح بعناية، من ينظر إلى الرسومات والألوان بعين براقة وفي إعجاب شديد، من يقرأ الشرح ويستفسر، مثل “بيرين” (15 سنة)، جاءت مع والدتها التي تعشق حضارة وتاريخ مصر، وقالت “أعجبت بشدة برؤية كل هذا وخاصة مومياوات الحيوانات، هذا شيئ جديد بالنسبة لي!”.
وإزاء هذا المشهد الرائع، اعتبر عالم المصريات والأستاذ في كلية متحف اللوفر دومينيك فارو، أن معرض “رمسيس وذهب الفراعنة” حقق نجاحا كبيرا في جذب عدد هائل من الزوار، وخاصة الأطفال، قائلا: “ما أحببته حقا هو رؤية الأطفال وهم يرون الألوان والرسومات”، مضيفا: “رأيت أغلب الزوار سعداء، الجميع من مختلف الأعمار ومهما كانت ثقافتهم واهتماماتهم، وهذا شيء أسعدني”.
وأشار فارو، وهو المنسق العلمي للمعرض، إلى الأجواء التي شهدها بين المنظمين والتي ساعدت على نجاح المعرض، فقد “كانت أجواء جيدة للغاية، ولهذا السبب خرج المعرض بهذا الشكل الرائع لأن الجميع يريد بذل المزيد حتى آخر يوم من إقامته”.
وقد أعلن على الموقع الرسمي لمعرض “رمسيس وذهب الفراعنة”، مد فعالياته إلى 10 سبتمبر، بعد أن كان مقررا غلق أبوابه في 6 سبتمبر، وذلك نظرا للإقبال الكبير وإعطاء فرصة أكبر لعشاق الحضارة المصرية أن يروا كنوز الملك رمسيس الثاني، وبالتالي كانت فرصة لجذب سائحين أيضا في باريس، مثل “باسكال” من لوكسمبورج، فلم تتردد في تخصيص وقت لزيارة المعرض خلال رحلتها السياحية في العاصمة الفرنسية، برفقة أطفالها، قائلة “فكرة الذهاب إلى المعرض، مهمة خاصة للأطفال، من المهم إظهار كل شيئ لهم حتى يتمكنوا من رؤيته بدلا من قراءته فقط، وهذا المعرض فرصة لاكتشاف كل شيئ جديد عن رمسيس الثاني، فهو بمثابة جولة إرشادية مثيرة للاهتمام، مؤكدة أنه سيظل ذكرى حتى نذهب إلى مصر لأنه لا يزال هناك الكثير لاكتشافه”.
وحتى الآن، فقد جذب المعرض بمقتنياته الأثرية 750 ألف زائر، منذ انطلاقه في باريس في 7 أبريل وحتى أول أغسطس، بحسب الجهة المنظمة للمعرض إلا أن العدد آخذ في الزيادة ومن المقرر الإعلان عن الرقم الرسمي بعد انتهاء عرضه يوم 10 سبتمبر.
وكشف المعرض عن أكثر من 180 قطعة أثرية ثمينة من كنوز الملك رمسيس الثاني، ويسلط الضوء على فترة حكمه وحياته حيث يعد من أعظم الفراعنة المحاربين في عصر الدولة الحديثة، ومن بين الكنوز المعروضة “التابوت الملكي” ويمثل “الملك بهيئة آدمية”، ووافقت على نقله السلطات المصرية إلى فرنسا، بشكل استثنائي، لعرضه ضمن هذه القطع الفرعونية، تقديرا لجهود العلماء الفرنسيين الذين قاموا بمعالجة مومياء رمسيس الثاني من الفطريات عام 1976.
كما يضم المعرض قطعا أثرية ثمينة من بينها مجوهرات من الذهب والتماثيل والأقنعة، ويقدم للزوار أيضا تجربة غامرة للتجول في معابد أبو سمبل واستكشاف مقبرة الملكة نفرتاري عبر تقنية “الواقع الافتراضي”.