أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً تحت عنوان “قطاع الطاقة يستعد لتغيرات جذرية تزامنًا مع تغير المناخ السياسي والتحالفات الدولية”.
وسلط التقرير الضوء على توقعات المؤسسات الدولية بأن يواجه العالم خطر حدوث أزمة طاقة، كما يرصد التقرير تحركات الإدارة الأمريكية للبحث عن طرق لضمان الإمدادات الكافية من النفط ومنع أزمة الطاقة، وكذلك توقيع روسيا صفقة طاقة بقيمة 40 مليار دولار مع إيران، كما يستعرض التقرير التوقعات العالمية بعودة الطاقة النووية إلى المشهد العالمي في ظل احتدام الأزمة الحالية.
وأشار التقرير، إلى أن قطاع الطاقة يشهد حالياً حالة من الاضطراب، وهذا الاضطراب ليس بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية فقط، بل أيضًا بسبب نقص الاستثمار في قطاع الطاقة خلال السنوات الماضية؛ حيث بلغ الاستثمار في قطاع النفط والغاز 341 مليار دولار فقط في عام 2021، أي أقل بنسبة 23٪ من مستوى ما قبل كوفيد-19 البالغ 525 مليار دولار، وأقل بكثير من الذروة الأخيرة في عام 2014 البالغة 700 مليار دولار، وفقًا لمؤسسة الطاقة الدولية.
وأوضح التقرير أن أسعار البنزين قد ارتفعت في الولايات المتحدة بنسبة 52٪ خلال عام 2021 لتسجل ارتفاعات قياسية؛ مما أغضب الجمهور وأسهم في أزمة التضخم في البلاد، كما تضاعفت أسعار الغاز الطبيعي، وهو وقود حيوي لتدفئة المنازل وتشغيل شبكة الكهرباء، ثلاث مرات تقريبًا خلال العام الماضي في الولايات المتحدة، وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير جدًّا في أوروبا، ورغم ذلك كان الاقتصاد العالمي قادرًا إلى حد كبير على تحمل ارتفاع أسعار الطاقة حتى ذلك الوقت، ولكن بعد اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية قد تستمر الأسعار في الارتفاع إلى مستويات غير مستدامة؛ حيث تحاول أوروبا الاستغناء عن استخدام النفط الروسي، وربما الغاز، وقد يؤدي نقص الإمدادات إلى بعض الخيارات الصعبة في أوروبا.
وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن أوروبا الشرقية وإيطاليا قد يواجهون ركودًا اقتصاديًّا حادًّا في حالة الحظر الكامل للغاز الروسي، وقد ينكمش اقتصاد أوروبا الوسطى والشرقية بـ 6% العام المقبل، إذ تواجه دول المنطقة مخاطر نقص الإمدادات بنسبة تصل إلى 40% من استهلاك الغاز، ولكن من الممكن خفض هذا التأثير عبر تأمين إمدادات ومصادر طاقة بديلة.
وكنتيجة لذلك، وإدراكاً من الولايات المتحدة الأمريكية لمخاطر وتداعيات تلك الأزمة، فقد بدأت الإدارة الأمريكية في البحث عن طرق لضمان الإمدادات الكافية من النفط ومنع أزمة الطاقة، حيث توجَّه الرئيس الأمريكي ” جو بايدن” إلى المملكة العربية السعودية في 15 يوليو 2022؛ واجتمع مع قيادة المملكة وزعماء الدول الأخرى الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط، وكان البيت الأبيض قد أعلن أن زيارة “بايدن” للمملكة العربية السعودية لا تتعلق بالنفط فحسب، كما صرح “بايدن” قبل زيارته للسعودية، بأن النفط سيكون من بين الموضوعات التي ستتم مناقشتها.
ووفقاً للتقرير فإن المحللون يرون أن “بايدن” توجَّه إلى “الرياض” ليطلب المزيد من النفط، ولكنَّ هناك شكوكًا حول قدرة المملكة العربية السعودية -أكبر دولة مصدرة للنفط في منظمة أوبك- وأعضاء أوبك على زيادة الإنتاج بما يتماشى مع رغبة “بايدن”، كما سعى “بايدن” لإقناع المملكة العربية السعودية بالتوقيع على حد أقصى لسعر النفط الروسي.
وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن روسيا وقعت صفقة طاقة بقيمة 40 مليار دولار مع إيران، وتستعد لاستئناف تصدير الغاز إلى ألمانيا بقدرة مخفضة، وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطات غاز في العالم بعد روسيا، لكن العقوبات الأمريكية أبطأت تطوير صادرات الغاز، وستساعد شركة غازبروم شركة النفط الوطنية الإيرانية في تطوير حقلي غاز كيش وبارس شمالي وأيضًا ستة حقول نفطية، كما ستشارك غازبروم أيضًا في استكمال مشروعات الغاز الطبيعي المسال، وإنشاء خطوط أنابيب لتصدير الغاز، ومن جانبها، طالبت وكالة الطاقة الدولية أوروبا بتخفيض استعمالها للغاز؛ تأهُّبًا لقدوم الشتاء، محذرة باستمرار مخاطر انقطاع الغاز الروسي حتى في حال تم ملء المخزون بـ90%.
وأظهر التقرير أن العديد من دول العالم تنظر في إمكانية استخدام الطاقة النووية مرة أُخرى، حيثُ أدت الحرب في أوكرانيا إلى إثبات أن الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بدلًا من إنتاج الطاقة النووية محليًّا كان له نتائج عكسية، وخير دليل على ذلك هو القرار الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي لتصنيف الطاقة النووية على أنها “طاقة خضراء”، وقد يؤدي ذلك إلى إنشاء استثمارات بالمليارات في مشروعات الطاقة النووية.
ومن منظور التطورات والتحركات الدولية الأخيرة على الساحة، يمكننا القول إن قطاع الطاقة العالمي أصبح أمام تحول كبير؛ ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه الدول للتخلي التدريجي عن مصادر الطاقة غير النظيفة وإيجاد مصادر بديلة نظيفة وخضراء، جاءت الأزمة الروسية – الأوكرانية وما تبعها من تحالفات دولية وإقليمية جديدة، لتوضح هشاشة نظام الطاقة العالمي، ومدى اعتماد الدول على مصادر الطاقة غير النظيفة ومن مصادر محدودة، حيث أن روسيا وحدها تقدِّم 40% من الغاز الذي يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي ككل.
وبالتالي ستعمل الدول على تنويع مصادرها من الطاقة، وستلجأ إلى طرق بديلة أبرزها العودة لاستخدام الطاقة النووية، ولكن ما زالت الرؤية حول الطريقة التي سيتطور بها قطاع الطاقة العالمي ككل في المستقبل غير مكتملة، إلا أن هناك حقيقة واحدة واضحة، وهي أن صناعة الطاقة تقف على أعتاب تغيير هائل، سيعتمد على التحالفات والتكتلات الدولية الأخيرة، ومدى ملاءمة المصادر الجديدة للكوكب، ومستوى التكنولوجيا المطلوبة.