وكالات
مع تواصل أزمة شح الدولار في مصر، وتأثيرها على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية، بدءا من أسعار السلع وارتفاع التضخم، وصولا إلى تأخر مراجعات صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الإقراض، يدور تساؤل حول مدى قدرة مصر على تحرير كامل لسعر صرف الدولار.
وربما هذا هو السؤال الصعب في الوقت الحالي. لكن هذا قد يتحقق على المدى المتوسط في ظل تحركات الحكومة المصرية في عدد من الملفات سواء على الصعيد الخارجي وما يتعلق بجذب استثمارات جديدة، أو على الصعيد الداخلي مع الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال وتعزيز مناخ الاستثمار.
الحكومة المصرية ووفق وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، كشفت أنها تعمل على جمع نحو 5 مليارات دولار من عائد برنامج الطروحات حتى شهر يونيو/حزيران المقبل. فيما قال وزير المالية، محمد معيط، إنه يجري التفاوض مع مؤسسات دولية للحصول على تمويلات بنحو 1.5 مليار دولار خلال الشهر المقبل. هذا بالإضافة إلى عودة مصر لسوق الدين الدولية خلال الفترة المقبلة.
وبالرغم من الاستقرار الذي تشهده سوق الصرف مع ثبات أسعار صرف الدولار في السوق الرسمية، لكن معهد التمويل الدولي، كشف في مذكرة بحثية حديثة، أن الجنيه المصري مقوم حاليا بأعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 10% مقارنة بـ “سعر الصرف الفعلي الحقيقي”، القوة النسبية مقارنة بسلة عملات تضم 13 من الشركاء التجاريين الرئيسيين للبلاد.
وأرجع المعهد مبالغته في تقدير العملة إلى ارتفاع التضخم في السوق المحلية إلى مستويات قياسية وانخفاض التضخم بين الشركاء التجاريين، وثبات سعر الصرف، والذي يقول محللو المعهد، إنه قد يتسع إلى 20% بحلول نهاية عام 2024.
ثبات سعر الصرف منذ يناير
في سوق الصرف الرسمية ومنذ بداية العام الحالي، فقد استقر سعر صرف الدولار عند مستوى 30.96 جنيها منذ آخر خفض أعلنه البنك المركزي المصري في يناير/كانون ثاني الماضي والذي جاء بعد سلسلة من تخفيضات سعر العملة التي أدت إلى خسارة الجنيه ما يقرب من نصف سعره مقابل الدولار. وفي الوقت نفسه، يبلغ يزيد سعر الصرف بالسوق الموازية حاليا بنحو 30% عن السعر الرسمي.
وأشار معهد التمويل الدولي، إلى أن الحل يتمثل في التعويم الكامل للجنيه. مضيفا: “البيانات تعزز الحجة لصالح تحرير سعر الصرف، وهو تحول في السياسة من شأنه، إذا صاحبه سياسات أكثر صرامة، أن يساعد في تقريب مصر خطوة نحو استقرار الاقتصاد الكلي”. وكان معهد التمويل الدولي قد دعا في السابق صانعي السياسات إلى اعتماد سعر صرف مرن بالكامل وإلغاء السوق الموازية للمساعدة في إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي المتآكلة.
فيما يتوقع العديد من مراقبي السوق تخفيضا جديدا في سعر الجنيه بالتزامن مع المراجعة المتوقعة من قبل صندوق النقد الدولي لبرنامج قرض مصر البالغة قيمته 3 مليارات دولار، والذي وافقت الحكومة بموجبه على التحول إلى سعر صرف “مرن بالكامل”.
وكشف المعهد، أن تخفيضات سعر الجنيه لمرة واحدة بدءا من عام 2016 ساعدت في تخفيف الضغط على العملة على المدى القصير، مما جعل السعر الرسمي يتماشى مع السعر الحقيقي. ومع ذلك، فإن “الاختناقات في الاقتصاد وضعف انتقال السياسة النقدية والإقراض المدعوم والسياسات المالية التوسعية” سرعان ما تؤدي إلى ظهور ضغوط تؤدي إلى ارتفاع السعر الحقيقي، مما يولد الحاجة إلى تخفيض آخر لقيمة العملة و”بدء الدورة من جديد”.
أوضح، أنه حتى في غياب إصلاحات السياسات الأخرى، فإن الانتقال إلى التعويم الكامل “من شأنه أن يسمح لسعر الصرف الحقيقي بالهبوط بالقرب من مستوى قيمته العادلة، مما يصب في صالح قطاع التصدير وخفض عجز الحساب الجاري والمساعدة في جلب رأس المال وتقريب مصر خطوة نحو استقرار الاقتصاد الكلي”.
ومن المتوقع أن يبدأ صندوق النقد الدولي الجمعة المقبلة، مراجعته لبرنامج قرض الـ 3 مليارات دولار لمصر. لكن احتمالات وصول بعثة صندوق النقد إلى القاهرة هذا الأسبوع تبدو ضئيلة. وكان من المقرر إجراء المراجعة الأولى لبرنامج القرض منتصف مارس/آذار الماضي قبل أن تتأجل بسبب عدم تحقق بعض الشروط الرئيسية في اتفاقية القرض.
سداد التزامات خارجية ضخمة
فيما يتعلق بالبيانات الإيجابية، فقد واصل احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ارتفاعه ليسجل نحو 34.93 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب الماضي، وفق بيانات البنك المركزي المصري. وفيما يتعلق ببرنامج الطروحات، فقد أعلنت الحكومة المصرية عن إتمام أكثر من صفقة خلال الربع الثاني من العام الحالي. حيث تعتزم الحكومة جمع ما يصل إلى 5 مليارات دولار من البرنامج بحلول منتصف العام المقبل.
وفي سياق الحصول على تمويلات جديدة، كانت وزارة المالية قد أعلنت أنها تستهدف تدبير تمويلات خارجية تتراوح بين 1.5 وملياري دولار خلال الربع الرابع من عام 2023. ويتضمن ذلك الإصدار الأول للبلاد من سندات الباندا المقومة باليوان الصيني بقيمة 500 مليون دولار والإصدار الثاني من سندات الساموراي المقومة بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار.
فيما تمكنت الحكومة المصرية من سداد نحو 25.5 مليار دولار من أقساط وفوائد الديون المستحقة عليها خلال النصف الأول من العام الجاري. فيما سددت الدولة التزامات مستحقة عليها بقيمة 52 مليار دولار خلال العامين الماليين 2021/2022 و2022/2023.
وفي الوقت نفسه، يتعين على الحكومة سداد 15.1 مليار دولار أخرى من مدفوعات الديون القصيرة والطويلة الأجل خلال النصف الثاني من العام الحالي، تليها 46.3 مليار دولار أخرى على المدى المتوسط والطويل السداد خلال عامي 2024 و2025، بحسب أحدث بيانات البنك المركزي المصري.