تعد السعادة ركيزة أساسية للصحة النفسية والجسدية. فهي حالة من التوازن والسلامة والعافية، يستطيع بها كل فرد إدراك إمكاناته الخاصة، والتكيّف مع حالات التوتّر، والعمل بشكل منتج ومفيد، والإسهام والمشاركة في مجتمعه.
وقد عرَّف علماء النفس السعادة بأنها الشعور بالرضا العام عن الحياة، وإشباع الرغبات، والتمكُّن من تحقيق الأهداف المرجو تحقيقها، والوصول إلى الطموحات التي يسعى الفرد إليها، بالإضافة إلى القدرة على توظيف القدرات للوصول إلى مرحلة الرضا عن الذات وعن الآخرين.
ويتجلى البعد الإيجابي للصحة النفسية في تعريف الصحة الوارد في دستور منظمة الصحة العالمية : أن ” الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، ليس مجرّد انعدام المرض أو العجز.” وتعد السعادة سمة أساسية للأشخاص الأصحاء نفسيا وعقليا.
(الصحة والسعادة) بينهما علاقة طردية ، فأنه يجب علينا الآن أن نتعامل بجدية تامة مع الاكتشافات العلمية التي تشير إلى أن الأشخاص السعداء هم أكثر صحة ويعيشون مدة أطول، وأن التعاسة والحزن المزمن يشكل تهديدًا حقيقيًا على الصحة ويؤدي الى الإصابة بمرض العصر وهو الاكتئاب.
نعم المال يمكن أن يكون سببًا رئيسًا للسعادة، هذا ما توصلت إليه دراسة بحثية ، نافية بذلك عقودا طويلة من إنكار علاقة المال بالسعادة. تم نشر ذلك في المجلة العلمية “Emotion”، التي أعلنت أنَّ سعادة الإنسان تزداد كلما تزايد المستوى المالي له، وكلما تعززت مكانته الاجتماعية ووضعه الثقافي والاقتصادي، وبزيادة جودة التعليم.
اذ أوضح الباحث في علم النفس في جامعة ولاية سان دييغو الأميركية، جان توينج، أنَّ نظرية ارتباط السعادة بمعدل الدخل المادي للفرد تعززت في السنوات الأخيرة . هذا وإنْ دل يمكن أن يكون هناك اختلاف في التركيبة النفسية للبشر مؤخرا، اذ اتَّضح استمرار معدل السعادة بالارتفاع بشكل طردي، كلما تزايد مستوى الدخل.
ولجأت الدراسة إلى عمليات مسح اجتماعي، تتبعت التغيرات في المجتمع الأميركي، وبلغ عدد المشاركين في البحث نحو 45 ألف شخص، وجرى الاستطلاع بين عامي 1972 و2016 ، وقد تم نشر البحث فقط منذ أيام ، وقام الاستبيان على تحديد مدى السعادة التي يشعر بها المشاركون في الدراسة، على مر سنين مختلفة بحسب مستوى دخلهم.
من وجهة نظري الناقدة للدراسة الأمريكية أنها افتقرت إلى الكثير من الركائز الأساسية، أولها وهو مصدر المال فمن المستحيل أن يتساوى لصوص المال وكل من كانت ثروته من أصول الاحتيال أو مسروقة ومشبوهة، بالأشخاص الذين جدوا واجتهدوا وعملوا بشقاء لعمل ثروة مالية في “مستوى سعادتهم” .
أيضا افتقرت الدراسة الى عنصر مفصلي وهو هل يعد المال غاية أم وسيلة للبشر المشمولين بالدراسة ، اذا كان غاية هنا تقع الكارثة في احساس الشخص الدائم بعدم الرضى مهما حقق من نجاح مالي فهو أفقر الخلق ، حيث إن السعادة نسبية تختلف من شخص لآخر ولا تتحقق فقط بالسعي وراء امتلاك أشياء جديدة يُحبها الشخص، بل إن قسطاً كبيراً من السعادة يُمكن تحقيقه إذا ما أحب ورضي واقتنع الإنسان بالأشياء التي يمتلكها بالفعل، أضاف الباحثون أن الأشخاص الراضين بما يمتلكونه بالفعل ، هم أكثر سعادة من الأشخاص غير الراضين بما يمتلكون، وصدق الحق سبحانه وتعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا) النحل: 18.
افتقرت أيضا الدراسة الى ما هو الدافع نحو كسب المزيد من المال ؟ قد يكون الدافع عند كثير من الناس اعتقادهم أن المال يساوى الحياة الكريمة، معتقدين أن السعادة تُشْتَرى بمزيد من المال.
هنا يقعون تحت توتر وقلق وضغوط الحصول على المال، وإنْ جنى الأموال يصبح عبدًا للثروة ، كاد أن يسجد للمال، وهى التي تتحكم بتصرفاته، وليس الفرد الذى يتحكم في ماله. وهنا مهما كان حجم الثروة يفتقر الاحساس بالسعادة. فنرى أشخاصا في حياتنا تعطى لنا مثلا جيدا على هذه النظرية ” عبودية المال” نراها كثيرا عند أصحاب العقول والقلوب الفارغة المرضى بالبخل.
إذا كانت الدراسة اثبتت أنَّ المال يعطى قدرا كبيرا من السعادة لكن هناك اشياء كثيرة لا تُشْتَرى بالمال، منها الرضا وراحة البال، لا يمكن بالمال أن تلتئم به العلاقات الممزقة والكاذبة والمنافقة، ولا ينشئ هدفا لحياة لا هدف لها.
إنه لشيء جيد أن يكون لديك المال والأشياء التي يمكن أن تنفق وتفتخر بها ، ولكن من الجيد أيضا أن تتأكد من أنك لم تفقد الأشياء التي لا يشتريها المال مثل الأخلاق. احذر فالكثير من البشر يضحي بصحته من أجل كسب المال، ثم يضحي بالمال لمعالجة صحته المريضة، ثم يكون قلقا جدا بشأن المستقبل فقط ليحافظ على المال فلا يتمتع بالحاضر؛ وتكون النتيجة أنه لا يعيش الحاضر ولا المستقبل، فيعيش كما لو أنه لن يموت أبدا، ثم يموت بعد ذلك وكأنه لم يعش أبدا.
فالمال لا يشترى الصحة، المال لا يشترى الحب الصادق ودفء المشاعر في العلاقات الانسانية . إذا كنت ترغب في التمييز بين أولئك الذين يحبونك دون تحفظ، وأولئك الذين يحبونك من أجل مالك جرب فقط أن تفقد كل مالك. أبدا لا يُشْتَرى الاحترام بالمال، بالتأكيد مصدر المال مهم في احترامك لذاتك أولا ، واحترام الاخرين لك .
إن كل الأشياء التي سوف تشتريها لن تعطيك الكرامة بل ستجلب لك العار إذا كان المصدر غير محترم بمهنة غير محترمة وغير شريفة، يصبح المال ليس إنجازا بل سيصبح عارًا ؛ حين ذلك سيكون المال بمثابة شيطان؛ لأنه انتقص احترامك لذاتك .
يمكن للمال أن يشتري مسكنا، لكنه لا يشتري موطنا ، يمكن أن يشتري سريرا ولكنه لا يشتري النوم، يمكن أن يشتري ساعة لكنه لا يشتري الزمن، يمكن أن يشتري كتابا لكنه لا يشتري العلم والثقافة، يشتري الدواء لكنه لا يشتري الصحة، يجب أن نتفهم أنَّ الحياه قصيرة وبسيطة، يمكن أن نستمتع بها بكل شيء إذا كنا راضين فقط عن ما حققناه، فالمال ليس هو العنصر الوحيد لربطه بالسعادة التي هي مسألة ستظل نسبية وجدلية، ومرتبطة بالتوافق الجسدي والديني والروحي .