يحتفل العالم في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الإشارة، وهي مناسبة مهمة تهدف إلى رفع الوعي بأهمية لغة الإشارة ودورها المحوري في حياة الأشخاص الصم وضعاف السمع، وتعزيز قيم الاحترام والتفاهم والمساواة في المجتمعات المختلفة.
وتشير تقديرات الاتحاد العالمي للصم إلى وجود أكثر من 72 مليون شخص أصم حول العالم يتواصلون بلغات الإشارة كلغة أم، بينما يقدر عدد الأشخاص الصم في مصر بحوالي 7.5 مليون شخص، وتعد لغات الإشارة جزءا أصيلا من هوية وثقافة مجتمع الصم، وليست مجرد وسيلة للتواصل.
ولغة الاشارة ليست مجرد وسيلة بديلة للنطق، بل هي لغة متكاملة تعبر عن الأفكار والمشاعر وتفتح المجال للتواصل الفعال بين الاشخاص الصم وضعاف السمع مع اسرهم ومجتمعاتهم ومؤسسات الدولة، كما تساهم في تعزيز الهوية الثقافية لمجتمع الصم وحماية تراثه، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من ممارسة حقوقهم كاملة في التعليم، والعمل، والصحة، والخدمات العامة، فضلا عن بناء مجتمع أكثر شمولية يقدر التنوع اللغوي والثقافي، وكسر حواجز العزلة والتهميش، وفتح افاق جديدة للتعلم والتفاعل الاجتماعي.
ونصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدقت عليها مصر في المادة 9 على ضرورة ضمان إمكانية الوصول بما في ذلك وسائل الاتصال والمعلومات وتوفير لغة الإشارة في المرافق والخدمات العامة، كما نصت المادة 21 على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في حرية التعبير والرأي والحصول على المعلومات مع الاعتراف باستخدام لغة الإشارة وتشجيع تيسيرها في المؤسسات الرسمية والتعليمية والإعلامية.
وأكد الدستور المصري في المادة 81 التزام الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا وتوفير فرص العمل لهم وتهيئة المرافق العامة ووسائل الاتصال والبيئة المحيطة بما يكفل دمجهم الكامل في المجتمع، أما القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فقد نص في المادة 3 على الاعتراف بلغة الإشارة كإحدى وسائل الاتصال الرسمية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأكدت المادة 22 على الحق في التعليم الدامج وتوفير مترجمي لغة الإشارة داخل المؤسسات التعليمية، كما نصت المادة 25 على التزام وسائل الإعلام بإتاحة محتواها بلغة الإشارة أو الوسائل المناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، وألزمت المادة 31 الدولة بتهيئة المرافق والخدمات العامة ووسائل الاتصال بما يشمل لغة الإشارة، بينما نصت المادة 42 على توفير مترجمي لغة الإشارة داخل المحاكم والنيابات وجهات التحقيق.
وأوضحت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 10 لسنة 2018 بشكل صريح التزام الوزارات والجهات الخدمية بتوفير مترجمي لغة الإشارة بشكل دائم في المؤسسات التعليمية والمستشفيات وأقسام الشرطة والمحاكم والهيئات الحكومية لضمان وصول الأشخاص الصم إلى حقوقهم على قدم المساواة مع الآخرين، كما تضمنت أهداف التنمية المستدامة 2030 أيضا إشارات واضحة، حيث يؤكد الهدف الرابع على ضمان التعليم المنصف والشامل للجميع بما في ذلك توفير لغة الإشارة في المؤسسات التعليمية، ويشير الهدف العاشر إلى الحد من أوجه عدم المساواة وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الكاملة في المجتمع، بينما يركز الهدف السادس عشر على ضمان وصول الجميع إلى العدالة بما يشمل توفير لغة الإشارة في المؤسسات القضائية
وانطلاقا من التوجهات الوطنية بكفالة حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، تولي الدولة المصرية اهتماما خاصا بفئة الصم وضعاف السمع، وذلك من خلال جهود وزارة التضامن الاجتماعي بالتنسيق مع مختلف مؤسسات الدولة لضمان الدمج والمشاركة الكاملة لهم في كافة مناحي الحياة.
وتعمل الوزارة على إزالة العقبات التي قد تحد من انخراط الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في المجتمع، عبر برامج توعوية، وخدمات تاهيلية، ومبادرات نوعية، تسهم جميعها في تغيير السلوكيات المجتمعية السلبية تجاههم، وتعزيز اندماجهم على قدم المساواة مع الاخرين.
وتمثلت أبرز تدخلات وزارة التضامن الاجتماعي في التالي: الكشف المبكر والتأهيل الطبي من خلال تنظيم قوافل طبية للكشف المبكر عن الإعاقات السمعية للأطفال دون سن 4 سنوات، خاصة في المناطق المطورة والبديلة للعشوائيات، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر المصري، توفير سماعات طبية لضعاف السمع بالشراكة مع الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
كما تم تنفيذ برامج التأهيل والتعليم من خلال “عطاء”، حيث تم تنفيذ برنامج موحد لتأهيل وتعليم الأطفال ضعاف السمع وزارعي القوقعة بالتعاون مع جمعية نداء، بهدف إعدادهم للالتحاق بالتعليم الدامج، وتوفير قطع غيار للأجزاء الخارجية للقوقعة الإلكترونية بالتعاون مع جمعية أصداء، وتم إطلاق البرنامج التدريبي المكثف “مبادئ لغة الاشارة لتواصل أفضل” لرفع مهارات العاملين المعنيين بالتعامل مع المواطنين بالوزارة، بهدف تعزيز التواصل الفعال مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وتسهيل حصولهم على الخدمات المقدمة.
وتم تشغيل 72 مركزا لغويا على مستوى الجمهورية قدم خدماته لأكثر من 8300 مستفيد، تشمل قياس السمع، التدريب على التخاطب، وتوفير السماعات الطبية، فضلا عن دعم 6 مؤسسات متخصصة لتدريب الصم وضعاف السمع على تنمية مهاراتهم السمعية والتعبيرية، بالإضافة إلى التدريب المهني في مجالات مثل الطباعة، النجارة، والجلود، بما يتناسب مع سوق العمل.
كما تم إصدار بطاقات إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة طبقا لقانون رقم 10 لسنة 2018، مع تيسيرات خاصة للصم، حيث يمكنهم التقدم مباشرة لمكاتب التأهيل دون الحاجة للحجز عبر وزارة الصحة، ودمج 587 طالبا وطالبة من الصم وضعاف السمع بكليات التربية النوعية في 13 جامعة مصرية خلال العام الدراسي 2024/2025، عبر توفير مترجمي لغة الاشارة لمساعدتهم على فهم واستيعاب المحتوى الدراسي والتواصل مع اعضاء هيئة التدريس وزملائهم داخل الحرم الجامعي، وذلك بتكلفة مالية تقدر بحوالي 2.5 مليون جنيه سنويا، وتقديم دعم مادي لسداد المصروفات المدرسية والجامعية لغير القادرين ضمن “برنامج تكافؤ الفرص التعليمية”.
أما فيما يتعلق بالتمكين الاقتصادي، فقد تم إتاحة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، وقروض ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، ومشاركتهم في معارض مثل معرض ديارنا لعرض منتجاتهم وتشجيعهم على الاستمرار في العمل والإنتاج.
كما تم إطلاق منصة إلكترونية للتدريب والتوظيف بالشراكة مع وزارة الاتصالات ووزارة العمل، لتمكين الاشخاص ذوي الاعاقة من الحصول على فرص عمل مناسبة، وتنفيذ ورش تدريبية للعاملين بمكاتب التاهيل لتعليمهم لغة الاشارة بالتعاون مع المجلس القومي للاشخاص ذوي الاعاقة ومؤسسة هانس زايدل الالمانية.
وتم اتاحة الدعم النقدي “كرامة” للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وأفراد أسرهم المستحقين، بما يضمن تحسين مستوى معيشتهم وتوفير الحماية الاجتماعية لهم.
وختاما فإن اليوم العالمي للغة الإشارة ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو رسالة تضامن ودعم لملايين الاشخاص الصم وضعاف السمع في مصر والعالم. ومن خلال تعزيز الحقوق، وزيادة الوعي، وتكثيف الجهود الحكومية والمجتمعية، نستطيع ان نؤسس لمجتمع اكثر شمولا، قائم على التواصل الفعال والاحترام المتبادل بين جميع أفراده.