وكالات
هناك تساؤل واسع الانتشار حول مدى فائدة الذكاء الاصطناعي التوليدي في زيادة أرباح الشركات.
يعاني الذكاء الاصطناعي مشكلة كبيرة، حيث يتسم بدرجة عالية من ارتفاع التكاليف بالنسبة إلى تكنولوجيا تعد بمساعدة الشركات على خفضها.
قوانين التوسع في الذكاء الاصطناعي، التي تؤكد ضرورة زيادة قوة الحوسبة من أجل صنع نماذج أقوى، وضعت شركات التكنولوجيا في سباق لإنفاق مليارات الدولارات على بناء مراكز بيانات ضخمة وشراء رقائق إلكترونية قوية، وهي تكاليف لا تستطيع الشركات تحميلها على كاهل عملائها.
أداة “جوجل” التي تساعد موظفي المكاتب على إنشاء المستندات أو رسائل البريد الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي ليست رخيصة الثمن. فهي تضيف 20 دولارا إلى الفاتورة التي يتحملها صاحب العمل شهرياً، وتبلغ قيمتها 6 دولارات مقابل مجموعة مساحة العمل (Workspace) الخاصة بالشركة، لكل موظف. ويكلف مساعد الذكاء الاصطناعي “كوبايلوت” (Copilot) من شركة مايكروسفت 30 دولاراً شهرياً لكل عامل.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكلف نشر الذكاء الاصطناعي مباشرةً في أنظمة الشركة ما بين 5 ملايين دولار و20 مليوناً، وفقاً لشركة الأبحاث غارتنر (Gartner)، التي تتوقع التخلي عن 30 % من مشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدي بحلول نهاية 2025 جزئياً بسبب كل هذه النفقات.
تتمثل الأخبار السارة لهؤلاء العملاء في أن تكاليف الذكاء الاصطناعي يبدو أنها آخذة في الانخفاض، ما يساعد على سد الفجوة بين العائد والاستثمار. أما الأخبار السيئة فهي أن ذلك لا يعالج المشكلة الأكبر المتمثلة في جدوى استخدامه، التي يُتوقع حتى الآن أن يستغرق حلها بضع سنوات.
الإنفاق الرأسمالي حكمة وادي السيليكون
الرأي الحكيم السائد في وادي السيليكون هو الاستمرار في الإنفاق للحصول على موطئ قدم في المستقبل. يوم الثلاثاء، أعلنت شركة “مايكروسوفت” أن نفقاتها الرأسمالية بلغت رقماً قياسياً قدره 19 مليار دولار في الربع الأخير، أي أعلى بنسبة تزيد على 80 % عن العام الماضي. وقال الرئيس التنفيذي للشركة ساتيا نادالا: إن كل هذا الاستثمار سيستمر “لاغتنام فرصة الذكاء الاصطناعي”.
كرر ساندار بيشاي، الرئيس التنفيذي لشركة “ألفابت” الرأي نفسه في مؤتمر هاتفي عُقد أخيرا حول نتائج أعمال “جوجل”، موضحاً أن: “خطر نقص الاستثمار أكبر بكثير من خطر الإفراط في الاستثمار بالنسبة إلينا”.
لم يقتنع المستثمرون بذلك تماماً، حيث انخفضت أسهم “مايكروسوفت” بنحو 2 % منذ إعلان أرباحها الأخيرة، وهبطت أسهم “جوجل” 5 %.
لكن حتى مع ارتفاع تكلفة تدريب الذكاء الاصطناعي على مر السنين، يبدو أن خدمات الذكاء الاصطناعي لكل من عملاقتي التكنولوجيا تسير في اتجاه أرخص. يقول متحدث باسم شركة “جوجل” إن أحدث نموذج لتطبيق “جميناي” (Gemini)، الذي يمكن للشركات استخدامه لأتمتة عمليات خدمة العملاء أو تلخيص المستندات الداخلية، أقوى من سابقه، رغم ذلك، فهو يقترب من نصف سعره.
أحدث النماذج لدى شركة “أوبن إيه آي”، والمعروف باسم “جي بي تي-40” (GPT-4o)، أسرع من النموذج السابق عليه “جي بي تي-4 تربو” (GPT-4 Turbo) لكنه أيضاً أرخص منه بـ50 %. وقد أخبرتني متحدثة باسم الشركة أن تكلفة الوصول إلى نماذجها، التي تُقاس بمعالجة الرموز (وهي في الأساس كلمات من خلال نموذجها اللغوي)، قد انخفضت بـ99 % منذ 2022. وأضافت: “نحن ملتزمون بمواصلة هذا المسار”.
خفض تكاليف تطوير النماذج
عند علماء الذكاء الاصطناعي، كان خفض التكاليف باستخدام تقنيات مثل “تصغير الحجم والبعثرة” و”التقسيم الكمي” محور تركيز رئيس في المؤتمرات الأخيرة. وقد أخبرني نيراف كينغزلاند، وهو مسؤول تنفيذي في شركة “أنثروبيك” المنافسة لشركة “أوبن إيه آي”، أنه من المنطقي أن تنخفض تكاليف نماذجها إلى 25 % من سعرها الحالي خلال العام أو العامين المقبلين، وأن الشركة التي جمعت 8.8 مليار دولار من مستثمرين من بينهم “جوجل” و”أمازون دوت كوم” قد خفضت بالفعل تكلفة تطوير نموذج حديث إلى النصف من خلال أساليب بحثية جديدة.
هناك دلائل أخرى على انخفاض التكاليف. ففي الصين، انخرطت شركات الذكاء الاصطناعي في حرب أسعار أدت إلى انخفاض أسعار استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى البيئة التنظيمية الأكثر تراخياً، وانخفاض تكاليف العمالة، والدعم الحكومي.
على سبيل المثال، تتقاضى شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي هناك تُدعى “ديب سيك” (DeepSeek) 0.14 دولار لكل مليون رمز من المستخدمين من رجال الأعمال، في حين أن نموذجاً مماثلاً من شركة “أوبن إيه آي” يكلف 10 دولارات.
كفاءة إدارة التكاليف عند الشركات
تأتي كفاءة إدارة التكاليف من جانب موظفي الشركات الذين يستخدمون هذه التطبيقات أيضاً. فكثير من الشركات تدرك أنها لا تحتاج إلى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي لمنح موظفيها ميزة إنتاجية، لذا فهي تجرب نماذج مفتوحة من شركات مثل “ميتا بلاتفورمز”. قد يحتاج روبوت الدردشة الآلي لخدمة العملاء إلى أداة ذكاء اصطناعي متطورة يمكنها القيام بالاستدلال اللحظي، لكن تحليل مكالمات العملاء لتحسين الخدمة يمكن القيام به باستخدام تكنولوجيا أقل تقدماً.
تخبرني شركة “مان جروب” (Man Group)، وهي شركة عالمية لإدارة الأصول، أن النماذج التي تستخدمها لتلخيص النصوص لمديري المحافظ الاستثمارية لديها، أو لتقليل العمل اليومي إلى 30 دقيقة للموظفين الآخرين، تنخفض تكلفتها بالفعل، لكن هناك أسئلة عالقة حول مدى استدامة مسار الأسعار هذا في المستقبل.
لدى وادي السيليكون تاريخ من دعم الأسعار، حيث إن منصات البث وتطبيقات النقل التشاركي والخدمات السحابية جميعها تخسر جانباً من هامش الأرباح من أجل زيادة حصتها في السوق. والهدف من ذلك هو الانتصار في المنافسة ورفع الأسعار في نهاية المطاف، والتحول للربحية.
لكن هنا تكمن النقطة الشائكة بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، فلا يزال هناك تساؤل واسع النطاق حول مدى فائدته بالنسبة إلى أرباح الشركات، وهو ما تقول مؤسسة “غارتنر” إنه السبب الرئيس لتوقعاتها بأن 30 % من المشاريع سيتم التخلي عنها بحلول نهاية العام المقبل.
إذا ظلت هذه التكنولوجيا عالقة في مجرد روبوتات الدردشة وتلخيص النصوص، فقد لا تستحق حتى الأسعار المنخفضة. هذه هي المشكلة التي يجب على شركات التكنولوجيا أن تتصدى لها أكثر من غيرها، حتى أكثر من المشكلة المتعلقة بالتكلفة.