ياسر جمعه
في مشهدٍ استثنائي يعكس نضج السوق المالي المصري ورؤية جديدة للطرح والاكتتاب، خطت شركة “ڤاليو” أولى خطواتها على منصة التداول في البورصة المصرية، مسجلة انطلاقة تُعد من الأبرز في تاريخ السوق، ليس فقط بحجم الارتفاع السعري الذي تجاوز 850% في أولى جلسات التداول، ولكن بالأساس بالنموذج الابتكاري الذي قدّمته “إي إف جي القابضة” للعالم.
لم يكن إدراج سهم شركة “يو للتمويل الاستهلاكي”، المالكة لـ”ڤاليو”، حدثًا اعتياديًا، بل كان إعلانًا صريحًا عن ميلاد نموذج غير تقليدي للطرح، يجمع بين الإبداع المالي والوعي الاستثماري، ويعكس رؤية مؤسسات تفكر أبعد من الأرباح السريعة والنتائج المؤقتة.
قامت “إي إف جي القابضة”، عبر ذراعها “إي إف جي فاينانس القابضة”، بطرح “ڤاليو” بطريقة مبتكرة تمنح للمساهمين الحاليين أسهمًا مجانية بواقع سهم واحد لكل 3.3 سهم في المجموعة، بدلاً من التوزيع النقدي. بهذه الخطوة، أطلقت الشركة رسالة قوية مفادها أن القيمة الحقيقية للمساهم لا تُقاس فقط بما يجنيه من عائد فوري، بل بما يمتلكه من حصص في كيانات عالية النمو وواعدة مثل ڤاليو.
منح هذا الطرح “إي إف جي القابضة” الريادة، لا بوصفها مجرد شركة خدمات مالية كبرى، بل كصانع أفكار يقود السوق المصري نحو آفاق جديدة من الطرح والاستثمار. وبهذا، تكون المجموعة قد أعادت تعريف العلاقة بين القيمة السوقية والقيمة المضافة، ورفعت سقف التوقعات لما يمكن أن تكون عليه سوق المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أحد أبرز المؤشرات على قوة ڤاليو وجاذبيتها كان دخول “أمازون” كمساهم استراتيجي بحصة تقارب 4% من الشركة، عبر تفعيل خيار الشراء المتفق عليه منذ 2022. هذا الاستثمار ليس فقط دليلاً على ثقة عملاق التجارة الإلكترونية في السوق المصري، بل هو أيضًا شهادة دولية على جودة ڤاليو كنموذج عمل وكيان استثماري متكامل.
ليس من المعتاد أن ترى شركة عالمية بهذا الحجم تضع ثقتها في منصة تمويل استهلاكي ناشئة في السوق المصري، ما لم يكن هناك تفوق حقيقي في الأداء والابتكار. وڤاليو، بما قدمته من نموذج “اشترِ الآن وادفع لاحقًا”، وبما تبنته من تكنولوجيا مالية متطورة، أثبتت قدرتها على جذب الاستثمارات ذات القيمة المضافة.
الإغلاق عند 7.40 جنيه بعد الافتتاح عند 0.78 جنيه في أول يوم تداول لم يكن مجرد قفزة في السعر، بل تجسيد لثقة المستثمرين في مستقبل الشركة، وانعكاس مباشر لقوة الطرح والطلب. إنها لحظة نادرة في البورصة المصرية، تؤكد أن السوق ما زال قادرًا على اجتذاب قصص النجاح المُلهمة، حينما تتوفر الرؤية، والقيادة، والابتكار.
من الجدير بالذكر أن الطرح حافظ على توازن هيكلي دقيق؛ إذ ما تزال “إي إف جي القابضة” تسيطر على نحو 67% من أسهم ڤاليو، بينما حصل مساهموها على 20.5%، وأمازون على 4%، ما يضمن استقرارًا في الإدارة ويمنح المستثمرين الثقة في استمرارية النهج التوسعي المستند إلى خبرات متراكمة.
من الهيئة العامة للرقابة المالية إلى إدارة البورصة المصرية، جاء الترحيب والإشادة بالطرح الجديد، ليس فقط باعتباره الأول من نوعه لشركة تعمل في التمويل الاستهلاكي، بل كونه مؤشرًا على جاهزية السوق لتبني طروحات ذكية، قائمة على الإبداع المالي، لا النمطية التقليدية.
الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، قال إن إدراج ڤاليو يمثل “فتح المجال لتوسيع قاعدة الشركات المدرجة في هذا القطاع الواعد”، فيما رأى أحمد الشيخ، رئيس مجلس إدارة البورصة المصرية، أن العملية تُظهر “جاهزية نظم التداول لتنفيذ أفكار غير تقليدية”.
لم يكن من المفاجئ أن تتولى “إي إف جي هيرميس” — الذراع الاستثمارية للمجموعة — مهمة الترويج وتغطية الطرح، إذ رسخت مكانتها خلال السنوات الماضية كبيت خبرة إقليمي قادر على تنفيذ أنجح الطروحات وأكثرها تعقيدًا. وبجانبها، كانت مكاتب “ذو الفقار وشركاها” محليًا، و”Gibson Dunn & Crutcher” دوليًا، تضمن أن يكون القيد قانونيًا محكمًا ومتوافقًا مع أعلى المعايير الدولية.
لأنها لا تكتفي بإدارة الأصول وتنمية الأرباح، بل تصنع المستقبل. لقد أثبتت المجموعة، بقيادة كريم عوض، أنها تمتلك ما هو أبعد من مجرد أدوات استثمارية: لديها رؤية استراتيجية، وشهية للمخاطرة المحسوبة، وحرص حقيقي على بناء قيمة طويلة الأجل لمساهميها.
من منصة ڤاليو، إلى إدراج “إي إف جي Hermes Holding” في لندن، إلى إدارة الطروحات الكبرى في مصر والخليج، وضعت المجموعة نفسها في موقع الريادة، وعززت سمعة السوق المصري كمركز جاذب للاستثمار والابتكار.
وفي النهاية فإن طرح ڤاليو هو أكثر من مجرد حدث مالي.. هو قصة نجاح مصرية تُروى، درس في الإبداع الاستثماري، وخطوة جريئة نحو سوق مال أكثر تطورًا، وانفتاحًا، وجرأة. وبينما تتابع أعين المستثمرين أداء السهم خلال الأسابيع القادمة، فإن البورصة المصرية تكتسب قصة جديدة ترويها للأجيال القادمة عن كيف يمكن للابتكار أن يُعيد تشكيل السوق من جذوره.