عادل فطوري
لم تعد صناعة التأمين كما كانت قبل سنوات. فهي لم تعد نشاطًا تقليديًا يرتكز على وثائق نمطية أو تغطيات جامدة، بل باتت صناعة ديناميكية، تتحرك بمرونة شديدة وفقًا لتطور شكل المخاطر وأنواعها. التأمين، في جوهره، أداة لإدارة المخاطر، وكلما تغيرت طبيعة تلك المخاطر، تغيّر معها المنتج التأميني ذاته.
فما كان في الماضي غير قابل للتأمين، أصبح اليوم ممكنًا عبر شروط وحدود معينة، تتناسب مع طبيعة الخطر وتأثيره. وهذا هو لبّ التطوير في صناعة دورها الرئيسي هو الاستجابة للمتغيرات واستحداث منتجات تغطي المخاطر المستجدة.
مخاطر غير نمطية تتطلب تغطيات غير تقليدية
في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، تزداد الحاجة إلى تطوير وثائق تأمينية أكثر شمولًا، خاصة لتغطية المباني الحكومية الحساسة والمشروعات الاقتصادية الكبرى، سواء كانت عامة أو خاصة.
الوثائق التقليدية – مثل وثيقة جميع أخطار الممتلكات – توفر تغطية مناسبة ضد الخسائر الناتجة عن الكوارث أو التلفيات المادية. كما يمكن إضافة وثيقة منفصلة لتغطية أخطار العنف السياسي التقليدية، والتي تشمل حاليًا أعمال، الإرهاب، التخريب، أعمال الشغب والإضرابات و/أو الاضطرابات المدنية، الأضرار المتعمدة، العصيان المسلح والثورة أو التآمر، التمرد أو الانقلاب العسكري، الحرب أو الحرب الأهلية.
ورغم أهمية هذه التغطيات، إلا أنها لم تعد كافية لمواكبة التهديدات الحديثة التي تمسّ الاقتصاد الوطني والاستقرار المؤسسي.
فجوات تغطية: مخاطر خارج مظلة الوثائق الحالية
لا تزال هناك أنواع جديدة من المخاطر لا تتم تغطيتها في السوق المصري رغم تكرارها وتأثيرها المباشر، أبرزها:
1. تقلبات أسعار العملة
2. المقاطعة الاقتصادية والخطر التجاري
3. مخاطر الأمن السيبراني واختراقات تكنولوجيا المعلومات
تغطية هذه الأخطار لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة لتأمين استمرارية الأعمال، وتعزيز قدرة المؤسسات على التكيف مع الأزمات.
الحوكمة: حجر الزاوية في صناعة حديثة
في ظل هذا الواقع المتغير، تبرز أهمية الحوكمة في شركات التأمين وإعادة التأمين كضرورة لضبط الأداء وتعزيز الشفافية.
إن الإسراع بإصدار قانون شامل للحوكمة التأمينية سيضمن وجود ضوابط محدثة للرقابة الداخلية، واستقلالية مجالس الإدارة، وتكامل إدارة المخاطر، بما يتماشى مع المعايير الدولية ويعزز ثقة المستثمرين.
التحول الرقمي: ضرورة لا تحتمل التأجيل
أحد التحولات الكبرى التي تواجه الصناعة اليوم هو الانتقال إلى التأمين الرقمي الكامل، وربط شركات التأمين آليًا مع الهيئة العامة للرقابة المالية.
هذا الربط يمثل خطوة استراتيجية لخلق بيئة أكثر كفاءة وشفافية، لكنه يتطلب تدعيم سوق العمل بكفاءات برمجية وتقنية متخصصة، إعادة صياغة وثائق التأمين الحالية لتكون موحدة ومكودة من قبل اتحاد شركات التأمين المصرية، ما يحدّ من الاختلافات والتضارب بين الشركات في تقديم نفس المنتج التأميني.
إن هذا التحول ليس فقط مسألة تقنية، بل إعادة صياغة شاملة لطريقة عمل السوق، وضمان عدالة المنافسة وحماية حقوق العملاء.
مجمعة الأخطار الطبيعية: درع وقائي مفقود
مع تزايد التغيرات المناخية وتكرار الكوارث البيئية، أصبح إنشاء مجمعة وطنية للأخطار الطبيعية ضرورة حتمية.
هذه المجمعة ستوفّر آلية موحدة وممولة جماعيًا لتغطية الأضرار الناتجة عن السيول، الزلازل، الحرائق، والعواصف، مما يقلل العبء المالي عن شركات التأمين ويضمن تعويضات عادلة وسريعة للمؤمن لهم.
هل يمكن تأمين “ما لا يُؤمّن”؟
رغم صعوبة بعض الأخطار، إلا أن الصناعة أثبتت قدرتها على تقديم تغطيات مشروطة ومدروسة حتى لأكثر التهديدات تعقيدًا يتم ذلك من خلال شروط وحدود مسؤولية واضحة، تسعير مناسب لدرجة الخطر، دعم من معيدي التأمين العالميين هكذا تم إدخال تغطيات مثل الإرهاب والعنف السياسي في الماضي، واليوم يمكن تكرار التجربة مع الأخطار التجارية والنقدية والتكنولوجية.
ختامًا: التأمين لم يعد رفاهية.. بل أداة سيادية
لم يعد التأمين مجرد نشاط اقتصادي، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في حماية الأمن القومي الاقتصادي للدولة.
ولذا، فإن كل تطور في شكل الخطر، يجب أن يقابله تطور في فكر التأمين، في الوثائق، والبنية الرقمية، والحوكمة، والتشريعات.