في ظل التحسن الملحوظ في المؤشرات الاقتصادية المصرية، وخاصة مع تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري من مستويات قاربت 51 جنيهًا إلى أقل من 49 جنيهًا، تتجه الأنظار إلى الأسواق لمعرفة مدى انعكاس هذه التطورات الإيجابية على أسعار السلع ومستوى معيشة المواطن.
وأكد الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، أن التراجع الأخير في سعر الدولار يُعد خطوة مهمة على طريق استقرار الاقتصاد، ويمثل فرصة حقيقية لخفض الأسعار وتنشيط الأسواق، بشرط تفعيل الرقابة وتعزيز المبادرات الحكومية الجادة.
تحسن نقدي يمهد لتراجع الأسعار
أوضح غراب أن انخفاض سعر الدولار يسهم بشكل مباشر في خفض تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة، ما ينعكس على أسعار السلع المصنعة محليًا، خاصة في ظل استقرار السوق وزيادة توافر النقد الأجنبي للمستوردين والمصنعين. وأضاف أن تحسن قيمة الجنيه يعزز مناخ الثقة في الاقتصاد، ويساعد على تيسير العمليات الإنتاجية وزيادة حجم المعروض في الأسواق، مما يهيئ بيئة مناسبة لخفض الأسعار.
وأشار إلى أن العديد من التجار اعتمدوا في تسعير سلعهم على سعر الدولار وقت ذروته، وهو ما يجعل المرحلة الحالية مناسبة لإعادة النظر في الأسعار، تماشيًا مع التحسن الملحوظ في سعر الصرف، مؤكدًا أن الاستقرار النقدي يجب أن يواكبه استقرار سعري يشعر به المواطن.
مبادرة حكومية طموحة.. وخطة لخفض الأسعار 15%
رحب غراب بمبادرة الحكومة الأخيرة التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء بالتعاون مع الغرف التجارية والصناعية، والتي تستهدف خفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق بنسبة تتراوح من 10 إلى 15%. واعتبر أن هذه المبادرة تعكس رغبة حقيقية لدى الحكومة في تخفيف الأعباء عن المواطنين، واستكمال الإصلاح الاقتصادي بمردود اجتماعي ملموس.
وأشار إلى أن نجاح المبادرة يعتمد على التوسع في تطبيقها على مستوى الجمهورية، خاصة في المناطق الشعبية والريفية، لضمان شموليتها ووصولها إلى الشرائح الأكثر احتياجًا، مؤكدًا أن خفض أسعار سلع أساسية مثل اللحوم، الدواجن، السكر، والزيوت سيكون له تأثير مباشر على جودة الحياة اليومية للمواطنين.
كما طالب بمتابعة دورية للأسواق لضمان التزام التجار بتطبيق التخفيضات، والعمل على زيادة نسب الخصم تدريجيًا بالتزامن مع استمرار التحسن في سعر الصرف وتراجع تكاليف الإنتاج.
إجراءات داعمة للإنتاج والاستثمار المحلي
أكد غراب أن الحكومة لا تعتمد فقط على المبادرات المؤقتة، بل تسير في اتجاه استراتيجي لدعم الصناعة وزيادة الإنتاج المحلي، من خلال تقديم تيسيرات جمركية لتقليل زمن الإفراج عن البضائع، وتسهيلات ضريبية لتقليل الأعباء على المستثمرين والمصنعين.
وأوضح أن الموازنة العامة الجديدة خصصت 5 مليارات جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وهي خطوة محورية في تحفيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، وزيادة المعروض من المنتجات المحلية بأسعار منافسة، بما يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات.
كما لفت إلى أهمية استمرار الحكومة في تقديم المحفزات الاستثمارية لجذب المستثمرين المحليين والأجانب، بما يعزز من تنافسية الاقتصاد المصري ويرفع القدرة الإنتاجية، وهو ما سيؤدي تدريجيًا إلى استقرار الأسواق وتوفير السلع بأسعار عادلة.
المرحلة القادمة مبشرة.. والمواطن سيشعر بالفرق
أكد الخبير الاقتصادي أن التحسن في المؤشرات الاقتصادية الحالية يعد بداية إيجابية لموجة من الاستقرار المتوقع أن يشعر به المواطن قريبًا، مشيرًا إلى أن النجاح الحقيقي يكمن في الربط بين التحسن النقدي والإجراءات التنفيذية على الأرض، لضمان انتقال آثار الإصلاح من الأرقام إلى حياة الناس.
وأضاف أن المرحلة الحالية هي الأفضل لتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، بالتوازي مع توسيع المبادرات الاجتماعية والاقتصادية، لضمان وصول ثمار الإصلاح إلى كل بيت مصري.
واختتم غراب تصريحاته بالتفاؤل قائلاً: “نحن على الطريق الصحيح، وما تم إنجازه في ملف السياسة النقدية يجب أن يتبعه خطوات شجاعة في الأسواق، ولدينا كل المقومات لتحقيق ذلك. فقط نحتاج إلى استمرار التعاون بين الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لضمان تحقيق التنمية الشاملة التي يشعر بها المواطن في واقعه اليومي.”