ياسر جمعه
منذ انطلاقه قبل أكثر من عقد من الزمان، ارتبط اسم “سيتي سكيب مصر” في أذهان كثيرين بأنه الحدث الأبرز في قطاع العقارات، المعرض الذي يجمع تحت سقفه كبار المطورين، ويكشف عن أحدث المشروعات، ويعكس صورة السوق المصرية كوجهة استثمارية واعدة. كان الزوار يتعاملون معه باعتباره “منصة العرض الكبرى”، حيث يُنتظر توقيت انعقاده لاكتشاف الجديد في السوق.
لكن مع مرور الوقت، بدأ يلحّ سؤال يفرض نفسه: هل لا يزال “سيتي سكيب” محتفظًا ببريقه؟ أم أنه بات معرضًا للبروكرز أكثر من كونه منصة للمطورين الكبار؟
الحقيقة أن المتجول في أجنحة المعرض في السنوات الأخيرة يلحظ بوضوح هيمنة شركات الوساطة العقارية. المساحات التي كانت يومًا ما تستحوذ عليها شركات التطوير العملاقة، باتت تُشاركها فيها – وأحيانًا تطغى عليها – مكاتب وشركات تسويق عقاري. وفي مشهد يعكس تغيرًا في طبيعة السوق، صار بعض الزوار يرون أن المعرض لم يعد “مهرجانًا للإبداع العقاري” بقدر ما أصبح “بازارًا للبيع المباشر”.
البعض يرى في ذلك انعكاسًا طبيعيًا لحركة السوق. فوساطة العقارات صارت قطاعًا ضخمًا قائمًا بذاته، يديره آلاف الشباب الذين يجذبون العملاء ويشكلون جسورًا بين المطور والمشتري. وجودهم في “سيتي سكيب” منطقي من هذه الزاوية، بل إنه يساهم في تحريك عجلة البيع والشراء بشكل أسرع.
لكن على الجانب الآخر، يخشى كثيرون أن يتحول هذا الحضور الكثيف للبروكرز إلى فقدان الهوية الأصلية للمعرض. فالحدث الذي كان يروّج لفكر معماري مبتكر، ولرؤية متكاملة عن مستقبل المدن والمجتمعات العمرانية، قد يتحول تدريجيًا إلى مجرد منصة للخصومات والعروض اللحظية، حيث يغيب العمق الاستراتيجي لصالح الصفقات السريعة.
الزائر اليوم لا يعود بانطباع عن “ملامح السوق” بقدر ما يعود بكتيبات مكدسة من العروض والتخفيضات. وقد يشعر أن روح “المعرض الدولي” تراجعت لصالح “المول التجاري”.
لكن يبقى السؤال الأعمق: هل هذا التغير نابع من “سيتي سكيب” ذاته أم من واقع السوق المصرية نفسها؟ فالقطاع العقاري في مصر يشهد بالفعل مرحلة جديدة، تقوم على “التسويق المكثف” و”المنافسة على جذب العملاء” أكثر من “تقديم رؤى معمارية”. في ظل هذه الديناميكية، ربما لم يعد ممكنًا أن يظل المعرض على صورته الأولى.
في النهاية، قد لا يكون الأمر فقدانًا للرونق بقدر ما هو تبدل في الدور. “سيتي سكيب” لم يعد مجرد معرض للمطورين الكبار، بل أصبح انعكاسًا صريحًا لطبيعة السوق الحالية، حيث يختلط المطور بالبروكر، والاستراتيجية بالخصم الفوري، والرؤية الطويلة المدى بالحاجة العاجلة للبيع.
ومع ذلك، نحن على أعتاب نسخة جديدة من المعرض تبدأ فعالياتها في 24 سبتمبر الجاري، ولا شك أن الترقب كبير لرؤية ما ستقدمه. الأمل معقود على أن نستعيد “سيتي سكيب” في نسخته العملاقة كما اعتدنا أن نراه، منصة تجمع الفكر والإبداع مع العروض والتسويق، وتعيد للحدث بريقه ومكانته كأيقونة للقطاع العقاري في مصر والمنطقة.