ذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن مصر اتجهت مؤخرًا إلى وضع استراتيجيات تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتنفيذ مشروعات تنموية ضخمة؛ لمواجهة تحديات المستقبل، كما لجأت الحكومة إلى تطوير البنية التشريعية للاستثمار الأجنبي المباشر وتطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي من أجل اقتصاد قومي متماسك يمكنه الصمود أمام التحديات الراهنة والمستقبلية.
جاء ذلك في العدد الجديد الصادر عن المركز، من مجلة “آفاق اقتصادية معاصرة”، واستعراض أبرز المؤشرات المحلية والدولية، وقد تناول العدد موضوع “العولمة الاقتصادية”.
وأضاف المركز، أن العولمة ليست ظاهرة جديدة، حيث كانت الموجة الأولى منها بين عامي (1880- 1913) والموجة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك أصوات تتحدث عن الموجة الثالثة، بعد هذه الأزمات التي سيكون لها تأثيرات هيكلية على النظام العالمي.
وأبرز العدد الأدوات المحركة للعولمة، حيث أشار إلى أنه تأتي في مقدمتها المنظمات الدولية والمتمثلة في صندوق النقد الدولي، الذي يقف إلى جانب الدول من خلال تقديم القروض الميسرة، والتي تُعَد ضمانًا للاقتراض الخاص، ولكن ذلك يكون في مقابل تنفيذ بعض الاشتراطات التي تحقق الحرية الاقتصادية في الدول المقترضة، ومنظمة التجارة الدولية التي تكافح من أجل حرية التجارة ومكافحة عمليات الإغراق، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي يعمل على تمويل المشروعات التنموية وخاصة في الدول النامية.
أما المحرك الثاني فيتمثل في الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل على تدويل الإنتاج وزيادة حركة رؤوس الأموال، وتشير التقديرات الحديثة إلى أن عدد الشركات المتعددة الجنسيات يناهز 65 ألف شركة وقرابة 850 ألف شركة أجنبية منتسبة لها في شتى أرجاء المعمورة، وكانت الدول المتقدمة صناعيًا موطنًا لنحو 50 ألف شركة أي ما يناهز 77% من إجمالي الشركات المتعددة الجنسيات في العالم، أما بقية دول العالم فكانت موطنًا لأكثر من 15 ألف شركة تمثل ما نسبته 13% من تلك الشركات، وكانت حصة الدول النامية 9246 شركة تركزت حوالي 65%، منها في جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا 28% في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و5% غرب آسيا، و2% في إفريقيا.
ويتخذ نحو 90% من أكبر 100 شركة متعددة الجنسيات في العالم من حيث الأصول الأجنبية مقرًا في الثالوث المهيمن على الاقتصاد العالمي (الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي)، ويعمل أكثر من نصف هذه الشركات في مجال المعدات الكهربائية والإلكترونيات والسيارات وصناعة استكشاف النفط وتوزيعه.
وسلط العدد الضوء من خلال كتابات الخبراء والمحللين على الآثار الاقتصادية للعولمة على الاقتصاد المصري، وذلك من خلال عدة مؤشرات تقيس العولمة، ومنها مؤشر التجارة السلعية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ومؤشر صافي التدفقات الوافدة من الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ومؤشر صافي التحويلات الجارية من الخارج للاقتصاد المصري.
ووفقًا للبنك الدولي 2021 يتضح أن “نسبة التجارة السلعية في الاقتصاد المصري” ورغم أنها شهدت تقلبات خلال الفترة من (1980-2021) فإن الاتجاه العام لها مازال مرتفعًا، حيث وصل هذا المعدل في الفترة الأخيرة إلى نحو 40% عام 2018، وإن كان انخفض إلى 31.46% في عام 2021 بسبب أزمات كورونا، والتي ترتب عليها إغلاق الدول، وبصفة عامة يمكن القول إن نحو ثلث إجمالي الناتج المحلي في الاقتصاد المصري يأتي من التجارة السلعية مما يؤكد أهمية التجارة الخارجية، ومن ثمّ العولمة للاقتصاد المصري، وارتفعت تحويلات العاملين في الخارج للاقتصاد المصري من 3.36 مليار دولار بالأسعار الجارية عام 1987 إلى نحو 31 مليار دولار بالأسعار الجارية عام 2021 أي تضاعف نحو 10 مرات، وذلك وفقًا لتقرير البنك الدولي 2021.
كما تناول العدد أهم المؤشرات عن مستقبل العولمة الاقتصادية، ومنها معدل نمو الإنتاج العالمي، ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر 2022 الصادر من صندوق النقد الدولي، فإن التوقعات سلبية حيث تظل تنبؤات النمو العالمي لهذه العام دون تغيير عند مستويات 3.2%، ولكن مع استمرار المخاطر والتحديات فمتوقع أن يشهد عام 2023 حالة من التباطؤ واسعة النطاق، ومن المنتظر انكماش مستويات النشاط الاقتصادي في مجموعة من البلدان التي تشكل حوالي ثُلث الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي أو القادم، مع استمرار تباطؤ أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من المتوقع تراجع معدل النمو في 2023 إلى 1%، بالإضافة إلى تراجع معدل النمو لمنطقة اليورو لـ 0.5%، وتراجع معدل نمو الصين بـ 4.4%.
وتظل ضغوط الأسعار المرتفعة هي التهديد الأكثر إلحاحًا لرخاء الأجيال حاليًا ومستقبلًا خاصة أسعار الغاز الطبيعي وأسعار النفط، كما أن استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية يضغط على زيادة أسعار الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء العالمي وفقًا لصندوق النقد الدولي في ظل استمرار مشكلات سلاسل التوريد العالمية، والتي أدت إلى اتجاه بعض الدول المنتجة للحبوب مثل الهند لوقف الصادرات.