وكالات
ينقل المرىء نحو 600 مرة في اليوم، كل ما في فمك إلى معدتك. وعادة ما تتم هذه العملية في اتجاه واحد، لكن أحيانا يهرب الحمض المعدي ويعود مرة أخرى إلى المريء. وقد يؤدي ذلك إلى تليف الخلايا المبطنة للمريء، ما يدفعها إلى النمو مجددا مصحوبة بطفرات وراثي.
وفي الولايات المتحدة تتحور تلك الطفرات إلى أورام سرطانية في نحو 22370 حالة سنويا.
ويمكن الشفاء من سرطان المريء في حالة اكتشافه مبكرا قبل أن يتخلل في عمق الخلايا أو ينتشر إلى أعضاء أخرى. إلا أن هذا نادرا ما يحدث، بحسب صحيفة لوس أنجليس تايمز الأمريكية.
قال الدكتور ألون كان، اختصاصي الجهاز الهضمي والأستاذ المشارك في مجال الطب بعيادة مايو في ولاية أريزونا “إن ما يحدث هو أن المريض يشعر بأعراض ارتجاع لسنوات طويلة ويتناول علاجات الحموضة وحرقة المعدة أو ما شابه، ثم فجأة يجد صعوبة في البلع ويضطر للذهاب إلى خدمات الطوارئ”. حينها يكتشف الأطباء وجود ورم في جدران المريء، ومن المحتمل أبعد من ذلك.
ويضيف ألون أنه “في تلك المرحلة، يكون المرض مستعصيا.”
ولهذا السبب يعيش فقط قرابة 20 % من الأمريكيين المصابين بسرطان المريء لأكثر من خمس سنوات بعد تشخيصهم. ولتحسين هذه النسبة يقول الأطباء إنهم ليسوا بحاجة إلى أدوية أفضل. إنما ما يحتاجونه هو طرق أفضل لاكتشاف السرطان في مراحله المبكرة حيث تزيد بقوة مراحل العلاج.
ولتحقيق ذلك، يحتاج الأطباء إلى إحراز تقدم كبير في مجال فحوصات المرض.
قال دكتور دانييل بوفا رئيس قسم جراحة الصدر في جامعة يال “إن مفهوم الفحص هو الكشف عن الأشياء الخطيرة قبل أن تؤدي إلى أمور خطيرة.”
وتنجح هذه النظرية في التعامل مع أمراض مثل سرطانات الثدي والرئة والقولون. في تلك الحالات، هناك خطوات تسلسلية واضحة تؤدي إلى السرطان – وفقط إلى السرطان.
وأحد العوامل الأخرى التي تمثل تعقيدا بالنسبة لسرطان المريء هو أن معدلات الإصابة به نادرة، إذ يشكل نحو 1 % من أنواع السرطانات التي يتم تشخيصها في الولايات المتحدة.
ويتضمن الأسلوب التقليدي لتشخيصه إجراء فحص بالمنظار الداخلي عبر حلق المريض وإنزاله حتى المعدة. وتسمح الكاميرا الموجودة في طرف المنظار للأطباء باستكشاف المريء عن قرب والتحقق من أي خلايا غير طبيعية قد تتحول إلى أورام خبيثة. .
وقال كان “إننا نكتشف فقط حوالي 7 % من السرطانات عبر الفحص بالمنظار الداخلي، يتعين علينا إيجاد طريقة لزيادة هذه النسبة.”
في الولايات المتحدة، أكثر أنواع سرطان المريء شيوعا هو الذي يبدأ في الجزء السفلي من المريء. ولا تستطيع الخلايا في تلك المنطقة تحمل التعرض إلى حمض المعدة، لذا ففي حالة الأشخاص المصابين بالارتجاع الحمضي المزمن، تتحور تلك الخلايا أحيانا إلى نسيج مشابه لنسيج الأمعاء. وتعرف هذه الحالة بمريء باريت ويعاني نحو 5 % من البالغين الأمريكيين منها.
وأوضح الدكتور ساتشين واني المتخصص في الجهاز الهضمي والأستاذ في كلية الطب بجامعة كولورادو أن نحو 3ر0 % من مرضى مريء باريت يتحولون إلى مرضى بسرطان المريء سنويا. ومقارنة بغير المصابين بمريء باريت فإن المصابين به هم الأكثر عرضة بما يقارب تسعة أضعاف الآخرين للوفاة بسرطان المريء.
وهو ما يعني أن فحوصات الإصابة بمريء باريت بمثابة الفحص لاكتشاف سرطان المريء.
ويتفق أغلبية الأطباء على مجموعة أساسية من عوامل الخطر تشمل الارتجاع المعدي المزمن والتدخين والسمنة المرتكزة في منطقة البطن. وتشمل العوامل الخطرة الأخرى أن يكون العمر أقل من 50 عاما وأن يكون المريض ذكرا قوقازيا وصاحب تاريخي عائلي في مريء باريت أو سرطان المريء.
ومع هذا، قال الدكتور براساد لاير رئيس قسم الجهاز الهضمي في عيادة مايو بأريزونا “إن معيار الفحص ليس دقيقا بما يكفي.”
ففي واقع الأمر، لا يصاب حوالي 90 % من الذين يحملون عوامل الخطر الدالة على مريء باريت بالسرطان. وهو ما يعني الغالبية العظمى من المصابين بالارتجاع الحمضي.
لذا يتجه الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى خصائص إضافية تمكنهم من تحسين القدرة على تحديد أولئك الأكثر عرضة للإصابة بمريء باريت وسرطان المريء.
وبحسب صحيفة لوس أنجليس تايمز فإن لاير وزملائه يعملون على تطوير تطبيق للذكاء الاصطناعي يتولى البحث في السجلات الطبية الإلكترونية لمرضى عيادة مايو للعثور على أولئك الذين يجب فحصهم لاحتمالية الإصابة بمريء باريت.
وينظر الجهاز في أكثر من 7500 نقطة بيانات مميزة، بما في ذلك الإجراءات الطبية السابقة ونتائج الاختبارات المعملية والوصفات الطبية وغيرها. (من بين الاكتشافات المفاجئة أن الدهون الثلاثية ومستوى الكهارل/الإلكتروليت لدى المريض لها قيمة في التنبؤ بالمرض).
وابتكر الدكتور جويل روبينستاين الباحث في مركز لوتينانت كولونيل تشارلز اس. كيتلز الطبي للمحاربين القدامى واخصائي الجهاز الهضمي بجامعة ميشيجن مع زملائه تطبيقا مشابها يستطيع تعلم التقنيات اللازمة لتحليل السجلات الطبية للمرضى من المحاربين القدامى عبر أنحاء البلاد. ويمكن لتطبيقهم العمل بشكل أفضل من المبادئ التوجيهية الرسمية للجمعيات الطبية بدقة تبلغ 77%. ويعمل الفريق حاليا على تحسين حد الفحص بإضافة عامل فعالية التكلفة إلى المزيج.
وعند البدء في استخدامها، يمكن لتطبيقات مثل هذه تخفيف الحمل عن أطباء الرعاية الأولية المثقلين بالأعباء والذين لا يجارون بالضرورة أحدث المبادئ التوجيهية للفحص وبالتبعية يقومون بتحويل أقل من نصف مرضاهم المؤهلين إلى إجراء المزيد من الاختبارات.