بقلم عمرو الحداد، عضو مجلس إدارة International Trade & Forfaiting Association (“ITFA”) للشرق الأوسط و شمال أفريقيا، ورئيس قطاع منتجات رأس المال بالشرق الاوسط، افريقيا، و شرق اوروبا- شركة كيريبا
إذا كنت قد قرأت عنوان المقال اولاً عزيزي القارئ ولم تكن تقفز مباشرة مثلي إلي منتصف اي مقال، فأعلم ان هذا العنوان – و بالتالي المقال – ليس له اي علاقة بالمصروفات الشخصية، بل أتحدث عن مشتريات وقسم مشتريات شركتك. و إجابة سؤال العنوان هي: لا أكثر ولا أقل…بل أذكي!
كمباريات تحدي الاحتمال التي يجري فيها المتباري سريعاً، ثم يقفز من جسر لجسر، ثم فوق عارضة عالية مع تجنب الاصطدام بعوارض معدنية و إلا السقوط في الماء و من ثم الخسارة، مر العالم بوباء عالمي أعقبه تعطل سلاسل الإنتاج تلتها حرب مؤثرة علي اسعار الطاقة و الكثير من المواد الغذائية، و انتهي التحدي بتضخم لم يسبقه مثيل من عقود عديدة يرافقه ركود يلوح في الأفق ينتظر المتسابقين.
في مجموعة المقالات السابقة قدمنا بعض الإقتراحات للمديرين الماليين لمواجهة تلك الأزمات، و في هذا المقال دعنا نري كيف يمكن لقسم المشتريات لعب دور اكبر و اكثر حيوية للتغلب علي تلك الظروف الصعبة. و لكن قبل ان نذهب بعيداً دعنا نستعرض سريعاً بعض الأرقام ذات الصلة:
منطقة الإتحاد الأوروبي سجلت ١٠.٧٪ معدل تضخم في اكتوبر متخطين معدل ٩.٩٪ المسجل في الشهرالسابق له. أسعار الطاقة و المواد الغذائية و من بعدها البضائع الصناعية كانت في صدارة مسببات إرتفاع نسب التضخم. اما في المملكة المتحدة فقد وصل مستوي التضخم الي ١٠.١٪ وهو اعلي مستوي مسجل منذ ٤٠ عاماً مع توقع تخطي حاجز ١١٪ بنهاية هذا العام. علي الجانب الآخر من الأطلسي تبدو الولايات المتحدة أفضل حالاً بقليل علي مستوي ٩.١٪ في يونيو الماضي مع توقعات بإنخفاض تدريجي حتي نهاية العام. الأرقام السابقة ليست مجرد أرقام صماء، إرتفاع الأسعار في تلك الدول المصدرة لمنطقتنا العربية له تأثير مباشر علي أسعار الكثير من البضائع المستوردة، مدي توفرها، و بالتالي الموقف المالي لقطاع الشركات و بالطبع إقتصاديات دول المنطقة بشكل عام. هذا الوضع خلق تحديا لقسم المشتريات ليس فقط لتغطية مخاطر زيادة الأسعار، بل للحفاظ كذلك علي استمرارية التوريد و علي علاقات جيدة مع الموردين، و كذلك ضمان كفاءة سلاسل الامداد.
كيف يمكن إذاً لقسم مشتريات في شركة ان يساهم في تعزيز موقف شركته المالي في مواجهة موقف كهذا؟ دعنا نضع مقترحاتنا في بعض النقاط كالعادة:
- سرعة إتخاذ القرار: ربما كانت هذه اهم نقطة علي الإطلاق. و السرعة هنا ليست مطلوبة بشكل عام او لإن لدينا اعمالاً اخري للنجزها، سرعة اتخاذ القرارهنا ضرورية لإن ما هو متاح الآن علي طاولة المفاوضات قد لا يكون متاحاً غداً سواءً كمنتج، كسعر، او كشروط دفع.
- لا تقاوم التغيير: الكثير من الأفكار التمويلية الحديثة مثل برامج تمويل سلاسل الإنتاج تحتاج تعاون كامل من إدارة المشتريات لضمان نجاحها. شخصياً رأيت العديد من الشركات تحقق ارباحاً إضافية من تلك البرامج مستفيدين من تباين أسعار الإقراض بين الأسواق المختلفة. دور إدارة المشتريات هنا في التفاوض مع الموردين حول شروط الدفع الجديدة و الموافقة علي تغيير طرق العمل بل تبنيها هو أمر في غاية الأهمية لنجاح برامج التمويل، الإستفادة الكاملة منها، والحفاظ في نفس الوقت علي علاقات جيدة مع الموردين.
- معرفة مكونات منتج الشركة: هل يبدو هذا كشيء بديهي؟ بالتأكيد، و لكني هنا لا أعني مجرد المعرفة التقليدية بأسماء المكونات، بل المعرفة الدقيقة بأسعار مكونات المنتج العالمية و أسعار شحنها و ربما تكلفة الصناعة. الإطلاع المستمر علي احدث تحليلات و التوقعات المستقبليه للأسعار و ظروف الإنتاج لا غني عنها في تلك الآونة. بعض البرامج التكنولوجية ايضاً تتيح لمستخدميها معرفة تلك الإسعار بسهولة مصحوبة برسومات بيانية لمستوي الأسعار في الماضي بل و توقعات مستوي السعر في المستقبل ايضاً. تلك المعرفة التفصيلية هي فقط التي تساعد علي التفاوض ”المنطقي“ علي أفضل أسعار و شروط دفع للشركة. الاساليب التقليدية في التفاوض علي الأسعار و الشروط ثم التفاوض مرة أخري لم تعد هي الخيار الأمثل.
- مشتريات اذكي: هل حقاً تريد المنتج الآن؟ هل حقاً تريد هذه الكمية؟ هذا المورد ام ذاك؟ ما الأفضل: عقد طويل الأجل بسعر تنافسي مقارنة باسعار اليوم ام سعر اليوم مع عقد قصير الامد نسبياً. كلها اسئلة نمطية متكررة لا بد من اجابتها قبل الشروع في اي عملية شراء و حسب خطة الإنتاج و الشراء. المختلف حالياً هو الإجابات، فاذا كان عقد طويل الاجل بسعر تنافسي عادة أفضل فربما كان قصير الاجل حالياً افضل مالياً للشركة. موائمة الظروف و التفكير خارج الصندوق هنا مهم للغاية مع الاعتماد كلياً علي الوسائل التكنولوجية الحديثة سواء في حسابات المكسب و الخسارة او في الوصول لمستوي المخزون المثالي من البضائع.
- مشاركة…ليس بيع وشراء فقط: و الشراكة هنا بينك كمشتري و بين موردك. ربما كان مفهوم الشراكة هو أهم شيء تعلمته في خلال عملي كمصرفي، و اكثر عامل فعال في نجاح اي عملية تجارية، مشاركة و ليس تنافس. معاملة موردك كشريك و إظهار حرصك علي ارباحه و مشاركته اهدافك بشفافية ستؤدي الي بناء ثقة متبادلة، سلاسة اكثر في التعامل، علاج اي تقصير في التوريد، تحسين المنتج او زيادة تنافسية سعره، و الأهم هو نجاحكما سوياً. التضخم الحالي يفرض علي المشتريات العمل عن قرب مع ادارة المنتجات للبحث عن كل فرصة لتخفيض سعر مكونات المنتج بإعادة تصميمه ان امكن. كل شيئ مطروح للمناقشه بغرض زياده الكفائة و تخفيض السعر.
- تظل الطرق المعتادة في البحث عن أكفأ الموردين و التفاوض حول أفضل الأسعار ضرورة اساسية تتعاظم اهميتها في الاونة الحالية، الجديد هنا هو ان الموقف الحالي قد خلق حافز لدي قطاع عريض من المؤسسات لوضع الكثير من المصروفات – و منها المشتريات – قيد المراجعة، حتي ما كان منها غير قابل او غير مستحق للتدقيق لقلة تكلفته، هذا العبئ الإضافي علي إدارة المشتريات ربما يشكل فرصة جيدة لمراجعة كل المشتريات و الغاء الغير ضروري منها.
و الخلاصه: تتزايد أهميه دور إستراتيجية المشتريات في خلال تلك الاونه من تخفيض التكاليف و إبقاء حيوية سلاسل الانتاج مع تشجيع الابتكار عبر كل خطوات الشراء و الانتاج. دور التكنولوجيا هنا محوري. اتخاذ القرارالمؤسسي اصبح علماً أهم اطرافه الحصول علي البيانات و التحليلات اللازمة لاتخاذ القرار
اذا لم تكن قد بدات تحديث كل عملياتك بإدخال التكنولوجيا في كل خطوة فابدأ الآن.