ما خيارات تدخل «الاحتياطي الفيدرالي» حال تخلف أمريكا عن سداد ديونها؟

وكالات

شواهد مناقشة صناع السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الآونة الأخيرة لإجراءات يُحتمل اتخاذها للتدخل في الأسواق في حالة تخلف وزارة الخزانة الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها تستدعي تحليل قائمة الخيارات المتاحة للبنك المركزي لتدعيم النظام المالي.

كتب خبراء بمركز “لورانس مايور/ مونتري بوليسي أناليتيكس” في مذكرة الأسبوع الجاري أنه رغم سعي مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للنأي بأنفسهم عن النزاع الحزبي حول رفع سقف الديون، “فإنهم لا يستطيعون أن ينعزلوا نهائياً لأن عليهم واجب حماية الاقتصاد وأداء السوق، علاوة عن أنه وكيل وزارة الخزانة في الأمور المالية”، وفقًا لـ«بلومبرج».

وزارة الخزانة الأمريكية

يوجد افتراض واسع الانتشار في وول ستريت يفيد بأنه في حال نفاد السيولة النقدية لدى وزارة الخزانة إلى مستوى لا يكفي للاستمرار في سداد كافة الالتزامات المالية على المستوى الفيدرالي، فإنها ستضمن سداد الفوائد وأصل الدين في الأوراق المالية للخزانة، التي تعتبر ركيزة النظام المالي العالمي.

لكن وزيرة الخزانة جانيت يلين لم تقدم إرشادات معينة حول ما سيحدث في حال تجاوز وزارتها الموعد النهائي، عندما تنفد السيولة النقدية الكافية لسداد الالتزامات. لذلك، فإن هذا يجعل من أسوأ السيناريوهات -أي التخلف عن سداد الديون- خطراً يهدد بخسائر نادراً ما تحدث، حتى وإن كان بعيداً. فقد أعلنت من قبل إن الأموال اللازمة لدفع الاستحقاقات المالية المطلوبة من البلاد قد تنفد في أقرب وقت ممكن حتى الأول من يونيو المقبل.

أظهرت محاضر مناقشات صناع السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال عامي 2011 و2013 حول مواجهات تتعلق بسقف الديون أن البنك المركزي توصل لعدد من الإجراءات المحتملة للوقاية من أزمة مالية شاملة. وضع المحللون بعضها ضمن الخيارات المحتملة واستبعدوا بعضها الآخر. نلقي فيما يلي نظرة على مجموعة الخيارات المحتملة:

إنهاء أو وقف مؤقت لسياسة التشديد الكمي

بإمكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إبطاء أو وقف عملية التصفية الحالية لمحفظته من السندات، والمعروفة بمصطلح التشديد الكمي. بلغت الوتيرة الحالية 60 مليار دولار من مشتريات سندات الخزانة و35 مليار دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري شهرياً.

كتب روبرتو بيرلي وبنسون دورهام في مذكرة لعملاء شركة “بايبر ساندلر” (Piper Sandler) في وقت سابق من العام الحالي، في حال كانت الأسواق في “حالة فوضى”، فقد لا يرغب صناع السياسة النقدية في سحب السيولة النقدية من النظام المصرفي. تقلّد بيرلي منذ ذلك التوقيت منصب رئيس مكتب الأسواق في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، إذ من المقرر أن يساعد في الإشراف على أي تدخلات لبنك الاحتياطي الفيدرالي في السوق.

كتب بيرلي ودورهام أن الأمر ربما يصل ببنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن يقرر إطلاق عمليات شراء للأصول لفترة مؤقتة -بما فيها سندات الخزانة “التي لم تتخلف الحكومة عن سدادها”- بهدف دعم الأسواق، كما فعل خلال حقبة وباء كورونا.

آلية إعادة الشراء

في حالة التخلف التقني عن سداد سندات الخزانة، يمكن أن يتسبب ذلك باضطراب أسواق إعادة الشراء، التي تُعد جزءاً أساسياً من منظومة تدفق الأموال الأمريكية. فإذا ارتفعت أسعار الفائدة في هذه السوق -وقد ارتفعت فعلياً في بعض المجالات الأسبوع الجاري- قد يضخ بنك الاحتياطي الفيدرالي سيولة نقدية بضمان سندات الخزانة التي لم تتخلف الحكومة عن سدادها، علاوة على أصول أخرى.

كتب بيرلي ودنهام أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يملك فعلاً آلية إعادة الشراء الفورية، والتي يمكن “زيادتها بسهولة وسرعة لأي مبالغ مالية مطلوبة”. وبوسع المسؤولين أيضاً دراسة توسيع نطاق الأطراف المتعاملة القادرة على الاستفادة من البرنامج.

إعادة الشراء العكسية

في حال أسفرت حالة الاضطرابات عن طلب هائل على الأوراق المالية قصيرة الأجل مرتفعة الجودة ما يجعل أسعار الفائدة تتراجع بصورة كبيرة، يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي توسيع آلية إعادة الشراء العكسية مؤقتاً، ما يوفر لأمثال الصناديق النقدية في سوق المال فرصة لتجنيب سيولة نقدية أكبر. يوجد فعلاً ما يفوق تريليوني دولار تُختزن هناك بصفة يومية.

كتب بيرلي ودورهام أنه في أسوأ الحالات، قد يستخدم كلاً من عمليتي إعادة الشراء وإعادة الشراء العكسية.

الإقراض المصرفي

توفر نافذة خصم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سلطة إقراض الأموال للمصارف في مقابل الحصول على ضمانات. اتجهت المصارف لنافذة الخصم أثناء ذروة تفشي وباء كورونا وتستطيع الاستفادة من البرنامج مرة ثانية إذ وقعت اضطرابات للنظام المصرفي.

كتبت آنا وونغ، خبيرة الاقتصاد الأميركي في “بلومبرغ إيكونوميكس” هذا الأسبوع في ملخص لما قد يقوم به بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي: “أجمع المسؤولون” في أثناء مناقشات عامي 2011 و2013 على أن “بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيواصل اعتماد أوراق الخزانة التي تتخلف الحكومة عن سدادها باعتبارها ضمانات” للإقراض من خلال نافذة الخصم، علاوة على اتفاقيات إعادة الشراء.

أضافت أن سندات الخزانة التي لم تُسدد بعد تجاوز أجل الاستحقاق ستُقيّم وفق أسعار السوق، مما يعني انخفاض القيمة. لكن المسؤولين “كانوا يشعرون بالقلق من أن يصبحوا -أو حتى يُنظر لهم على أنهم– السبب في صنع سوق لسندات الخزانة التي تتخلف الحكومة عن سدادها، ودار نقاش حول وضع سقف للكمية المسموح بشرائها من هذه السندات”.

أسواق المال

إذا كانت الصناديق النقدية تشهد تدفقات خارجة ضخمة -إذ ابتعد مستثمروها عن الحسابات التي استثمرت في سندات الخزانة- فإن ذلك يشكل خطراً من نوع خاص، نظراً لأن هذه الصناديق هي المؤسسات الأساسية التي تشتري الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل.

يُعتبر أشد المخاطر، حسبما أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول في 2013، عندما كان عضواً بمجلس الإدارة، هو فشل وزارة الخزانة في بيع كافة ديونها بمزاد. سيجعلها ذلك بدون نقود كافية لسداد الأوراق المالية المستحقة، وهي مسألة تُعتبر كارثية.

طرح موظفو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منذ أكثر من عقد خيار فتح تسهيلات للسيولة النقدية أمام صناديق الاستثمار النقدية، أو شراء أذون الخزانة بطريقة مباشرة. وقد حبذ “العديد” من صناع السياسة النقدية شراء السندات للحد من مشكلات الأخطار الأدبية فيما يتصل بعمليات الإنقاذ للصناديق النقدية.

خيارات “مقيتة”

يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تنقية سوق سندات الخزانة على نحو فعال بواسطة عمليات شراء فورية لسندات الخزانة التي تتخلف الحكومة عن سدادها، أو بواسطة مقايضة الأوراق المالية غير المتخلفة عن السداد في محفظته الخاصة بمشتريات الأوراق التي تخلفت وتحتفظ بها الكيانات غير الحكومية.

وصف باول، باعتباره عضواً بمجلس حكام البنك المركزي في 2013، هذا الطرح بأنه “مقيت”. لكنه أوضح: “في حالات الخطر القصوى، لن أستبعد ذلك”.

لا للسحب على المكشوف

بينما يستطيع الكثير من الأميركيين ببساطة مواصلة القيام بمشتريات بواسطة بطاقة الخصم حتى مع عدم توافر نقود كافية بحسابهم المصرفي، فإن هذا الخيار غير متاح لوزارة الخزانة الأميركية، بحسب مركز “لورانس مايور/ مونتري بوليسي أناليتيكس” .

استشهد فريق بتلك المجموعة البحثية، يقودهم حاكم بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق لورانس ماير، بموظفي البنك المركزي الذين قالوا في إحدى المرات “إنهم لن يقبلوا بالسحب على المكشوف من الحساب العام لوزارة الخزانة إلا عرضاً”.

كتبت المجموعة “لن يمتثلوا لقرار (إيجابي) يمنح الائتمان لوزارة الخزانة”، مشيرة إلى أن ذلك الخيار لم يُطرح على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في 2013. وأضافت أن السماح بالسحب على المكشوف “قد يمثل خرقاً لاستقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي للأبد”.

وبوسع المرء أن يتخيل ثمن ذلك فقط.

آخر الأخبار