هل يعود الاقتصاد العالمي إلى عصر السبعينيات؟

وكالات

مر نحو نصف قرن منذ أن فرضت منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” حظراً بترولياً على الولايات المتحدة، مما حول مشكلة التضخم المتواضعة إلى نوبة طويلة من ارتفاع الأسعار والبؤس الاقتصادي.

لكن الركود التضخمي في السبعينيات عاد إلى أذهان الاقتصاديين اليوم، فهم يواجهون ارتفاعاً في التضخم ونشاطا اقتصاديا مخيبا للآمال.

ويعتبر الركود التضخمي مشكلة شائكة بشكل خاص لأنه يجمع بين آفتين- وهما التضخم المرتفع والنمو الاقتصادي الضعيف- لا يجتمعان عادة، وفقاً لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.

وحتى الآن هذا العام، كان النمو الاقتصادي في معظم أنحاء العالم قوياً وانخفضت معدلات البطالة، رغم أنها لاتزال أعلى بشكل عام من مستويات ما قبل الوباء، لكن يبدو أن الانتعاش يفقد الزخم، مما يغذي المخاوف من الركود.

وأدى الوباء إلى إغلاق المصانع في أجزاء من جنوب شرق آسيا، مما أضر بالإنتاج الصناعي، كما أن معنويات المستهلك الأمريكي تتلاشى.

وفي ظل ذلك، وبعد عقد من التباطؤ، تتزايد ضغوط الأسعار، إذ ارتفع التضخم فوق أهداف البنوك المركزية في معظم أنحاء العالم وتجاوز حاجز الـ 3% في بريطانيا ومنطقة اليورو و5% في الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا تعتبر الصورة الاقتصادية سيئة مثل الوضع خلال السبعينيات، لكن ما يقلق الذين يعانون من الركود التضخمي ليس الأرقام الدقيقة بقدر ما هو حقيقة أن مجموعة من القوى تهدد بإبقاء التضخم مرتفعاً حتى مع تباطؤ النمو، وأن هذه القوى تبدو مشابهة بشكل مخيف للعوامل التي كانت وراء الركود التضخمي في السبعينيات.

أحد القوى هو محاولة الاقتصاد العالمي التغلب مرة أخرى على صدمات أسعار الطاقة والغذاء، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بمقدار الثلث تقريباً خلال العام الماضي، وتقترب أسعار الغاز والفحم من مستويات قياسية في آسيا وأوروبا.

كما أن مخزونات كلا النوعين من الوقود منخفضة بشكل مقلق في الاقتصادات الكبيرة مثل الصين والهند، فضلاً عن أن انقطاع التيار الكهربائي يعتبر مشكلة بالفعل في الصين وربما ينتشر بشكل أكثر، وسيؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة إلى ضعوط تصاعدية إضافية على التضخم ويزيد من سوء المزاج الاقتصادي حول العالم.

كذلك، ترتفع التكاليف الأخرى أيضاً، حيث ارتفعت معدلات الشحن بسبب التحول في الإنفاق الاستهلاكي نحو السلع والمتأخرات المتراكمة في الموانئ بسبب الوباء.

يرى كثيرون تشابهاً آخر مع الماضي في البيئة السياسة الحالية، فهم قلقون من تراجع الأفكار المتعلقة بالاقتصاد الكلي وخلقها فرصة للتضخم المستمر.

ففي فترتي الستينيات والسبعينيات تحملت الحكومات والبنوك المركزية ارتفاع التضخم لأنها أعطت الأولوية للبطالة المنخفضة على الأسعار المستقرة، لكن التجربة المؤلمة للركود التضخمي ساعدت على تغيير التفكير، مما أدى إلى إنتاج جيل من محافظي البنوك المركزية مصممون على إبقاء التضخم تحت السيطرة.

بعد ذلك، بعد الأزمة المالية العالمية وفترة من نقص الطلب، أفسح هذا التركيز المنفرد الطريق لمزيد من القلق بشأن البطالة، كما أدت أسعار الفائدة المنخفضة إلى إضعاف الانضباط المالي وتقديم حزم تحفيز هائلة خلال عام 2020.

والآن كما في السبعينيات، يحذر القلقون من أن الحكومات والبنوك المركزية قد تميل إلى حل مشاكل جانب العرض عبر إدارة الاقتصاد بشكل أكثر حرارة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم ونمو مخيب للآمال.

ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه الأمور المتشابهة، فإن السبعينيات لم تقدم سوى إرشادات قليلة لأولئك الذين يسعون إلى فهم المشكلات الحالية، مع وضع المناطق التي لا تصح فيها المقارنة التاريخية في الاعتبار.

عادة ما تقلق صدمات الطاقة وأسعار الغذاء الاقتصاديين لأنها يمكن أن تصبح خاضعة لصفقات الأجور وتوقعات التضخم، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار المتصاعد.

علاوة على ذلك، تفاقم الركود التضخمي في السبعينيات بسبب الانخفاض الحاد في نمو الإنتاجية عبر الاقتصادات الغنية، ثم في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تم استيعاب التزام الحكومات بالحفاظ على الطلب من خلال النمو الصاروخي في القدرة الإنتاجية.

لكن بحلول أوائل السبعينيات، نفد زخم الطفرة الإنتاجية الطويلة، وفشلت عادة زيادة الطلب في المساعدة على توسيع الإمكانات الإنتاجية، ودفعت الأسعار بدلاً من ذلك، ليتبع ذلك فترة طويلة من نمو الإنتاجية المخيب للآمال.

ومع ذلك، مع انتشار أسوأ تفشي للوباء، تعززت الإنتاجية، حيث نما الناتج لكل ساعة عمل في الولايات المتحدة بنحو 2% العام المالي المنتهي في يونيو، أي ضعف متوسط معدل عقد 2010، كما أن الإنفاق الرأسمالي المزدهر قد يعني استمرار هذه المكاسب.

ثمة تحول هام آخر مقارنة بالسبعينيات هو أن البنوك المركزية لم تنسى كيفية كبح جماح التضخم ولم تفقد التزامها باستقرار الأسعار، لكن بعض محافظي البنوك المركزية في السبعينيات شككوا حتى في قدرتهم على كبح زيادات الأجور والأسعار، لكن نهاية حقبة التضخم المرتفع أظهرت أن البنوك المركزية قد تكبح مثل هذه الزيادات في الأسعار ولم تُفقد هذه المعرفة.

وبالمثل، فإن الأرثوذكسية المالية الجديدة تتمتع بحدودها الخاصة، إذ يتوقع تراجع عجز الميزانية حول العالم بشكل كبير من هذا العام إلى العام المقبل.

وفي الولايات المتحدة، فإن مخاوف الديمقراطيين المعتدلين بشأن الإنفاق المفرط ربما تعني تراجع خطط الاستثمار الكبرى للرئيس جو بايدن، أو فشلها على الإطلاق.

من الجوانب المهمة الأخرى التي تغير فيها الاقتصاد العالمي منذ السبعينيات تكامله بشكل أكبر من خلال الأسواق المالية وسلاسل الإمداد، فقد تضاعفت التجارة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، على سبيل المثال، منذ عام 1970.

كما أن التعافي غير المتكافئ من الوباء فرض ضغوط شديدة على بعض الروابط التي تربط الاقتصادات ببعضها البعض، ويمكن للحكومات المذعورة أن تخزن الموارد، مما يتسبب في اضطرابات إضافية.

ختاماً، لا يمكن اعتبار هذه التجربة العدسة الأوضح التي يمكن من خلالها إدراك القوى العاصفة بالاقتصاد العالمي، فالعالم تغير بشكل كبير منذ السبعينيات، والعولمة أوجدت شبكة واسعة من أوجه الترابط، وبالتالي فإن النظام الحالي يواجه اختباراً جديداً فريداً من نوعه.

آخر الأخبار