مصر والبريكس: رؤية استراتيجية للانضمام ومستقبل العملة المشتركة

بقلم / هاني أبو الفتوح

قامت مجموعة البريكس المشكلة من الاقتصادات الناشئة، والتي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مؤخرًا بدعوة الأرجنتين والمملكة العربية السعودية ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة وإيران للانضمام إلى المجموعة. بلا شك أنه يمكن أن تقدم عضوية مصر في مجموعة البريكس فرصًا للبلاد للحد من معدلات الفقر وجذب المزيد من الاستثمارات من الدول الأعضاء. ويمكن لمصر أيضًا أن تستخدم العملة المحلية في التبادل التجاري، وهو ما تحاول القيام به بالفعل من خلال الصفقات الثنائية. ومع ذلك، فإن الانضمام إلى مجموعة البريكس يمثل أيضًا تحديات، مثل التكيف مع السياسات واللوائح الاقتصادية للمجموعة.

تم تاسيس مجموعة البريكس في عام 2009 من خمسة دول وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت جنوب أفريقيا إلى البريكس بعد عام واحد. تمثل مجموعة  البريكس حوالي 40% من سكان العالم وتشارك بأكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتسعى مجموعة البريكس على تشكيل أنظمة دفع بديلة وبناء أرصدة احتياطي نقدي أجنبي بديل للدولار الأمريكي يستخدم للتجارة الدولية، والتطوير التدريجي لنظام مالي عالمي غير الدولار، والابتعاد عن الاعتماد على الدولار الأمريكي، وزيادة التجارة بالعملات المحلية للدول الأعضاء ، وإنشاء عملة رقمية مشتركة.

أحد التطورات الهامة داخل مجموعة البريكس هو اقتراح فكرة تأسيس عملة مشتركة لمجموعة البريكس،  لكن لم يتم تنفيذها حتى الأن والفكرة تخضع للدراسة وتحليل الفوائد مقابل الانتقادات والتحديات.

يدور أحد الانتقادات البارزة حول التحديات والتعقيدات اللوجستية لاستخدام عملة موحدة بين الدول التي لديها هياكل اقتصادية متنوعة وسياسات سعر صرف ومعدلات تضخم متباينة. ويبرز المنتقدون إن تنسيق هذه العناصر لإنشاء عملة مستقرة يمكن أن يكون أن ينطوي على إجراءات ضخمة ومعقدة، مما قد يؤدي إلى اختلالات وفوارق اقتصادية داخل المجموعة.

بالإضافة الى ذلك، فقد أثيرت شكوك بخصوص احتمال وجود تأثير غير متكافئ ضمن إجراءات تأسيس العملة المقترحة. ونظراً للفوارق الاقتصادية بين دول البريكس، يخشى بعض المتشككين من أن العملة المشتركة يمكن أن تعود بالنفع بشكل غير متناسب على الاقتصادات الأكبر، مثل الصين والهند، مما قد يؤدي إلى الهيمنة الاقتصادية لهذه الدول.

ويركز انتقاد آخر على الآثار الاقتصادية العالمية الأكبر. فمن الممكن أن يُنظر إلى العملة المشتركة لمجموعة البريكس على أنها تحدي للنظام النقدي العالمي الحالي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. وقد يؤدي مثل هذا التحول إلى توترات جيوسياسية ومقاومة من القوى العالمية الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، تطرح أسئلة حول توقيت وضرورة تأسيس عملة مشتركة ضمن إطار البريكس. ويرى المنتقدون أن التركيز على القضايا الأكثر إلحاحاً، مثل التنمية الاقتصادية، والاستثمار في البنية التحتية، وتسهيل التجارة الدولية، ربما يؤدي إلى فوائد أكثر للدول الأعضاء. لذلك فالتعقيدات والمخاطر المحتملة المرتبطة بالعملة المشتركة قد تشتت الانتباه والموارد بعيدا عن هذه الأولويات الهامة التي يجب أن تحظى بعناية قصوى لدى الدول الأعضاء.

مع ذلك، فإن مفهوم عملة البريكس يحمل في طياته عدة  فوائد محتملة. من الممكن أن تعمل العملة المشتركة بين دول البريكس على تبسيط المعاملات التجارية والمالية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وتعزيز التكامل الاقتصادي داخل المجموعة. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي ذلك إلى تعزيز النفوذ الجيوسياسي لهذه الاقتصادات الناشئة على الساحة العالمية. ومن المحتمل أن تستفيد مصر، عند انضمامها إلى البريكس،  من ذلك من خلال الاستيراد والسداد باستخدام عملتها المحلية، وهي خطوة كانت تستكشفها بالفعل من خلال الصفقات الثنائية. علاوة على ذلك، من الممكن أن تعمل العملة المشتركة على تحفيز المزيد من الاستثمار من الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، مما يمنح مصر دفعة قوية للاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي الختام، فإن عضوية مصر في مجموعة البريكس تمثل فرصًا وتحديات على حد سواء. وفي حين أنها يمكن أن توفر فوائد اقتصادية وتحد من معدلات الفقر، إلا أن مصر ستحتاج أيضًا إلى التكيف مع السياسات والنظم الاقتصادية للمجموعة. بينما اقتراح تأسيس عملة مشتركة لمجموعة البريكس يبشر بالخير، فإنه أيضا يواجه انتقادات تتعلق بجدوى هذه الخطوة، واحتمالات التفاوتات الاقتصادية، والتداعيات العالمية، والتوقيت في ضوء التحديات الملحة الأخرى. وتؤكد هذه الانتقادات الحاجة إلى دراسة متأنية وتخطيط دقيق إذا قررت الدول الأعضاء المضي قدمًا في هذه المبادرة الطموحة لتأسيس عملة مشتركة.

آخر الأخبار