أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عددًا جديدًا من “سلسلة تقارير معلوماتية”، وهي سلسلة دورية، تتناول في كل عدد موضوعًا من الموضوعات التي تهم المجتمع المصري بهدف إلقاء الضوء على الجوانب المختلفة المحيطة به على نحو يستند إلى القرائن والمعلومات الموثقة، حيث يأمل المركز أن تسهم هذه السلسلة من التقارير في عرض صورة متكاملة عن القضية محل الدراسة أمام صانع القرار والمجتمع مما يساعد في إثراء صياغة السياسات العامة، وإضافة قدر أكبر من الموضوعية عند مناقشة القضايا العامة في إطار من المصداقية والشفافية، وقد جاء العدد الجديد من السلسلة بعنوان “العمل اللائق في ظل التنمية المستدامة”.
تناول التقرير التطور الذي طرأ على العمل اللائق منذ بدايته إلى أن أصبح أحد مؤشرات التنمية المستدامة بالإضافة إلى توضيح مفهومه وأهم المحاور الرئيسة له وأهم مؤشراته وفقًا لمنظمة العمل الدولية، وكذلك الإشارة إلى دور المنظمة في تعزيز العمل اللائق والذي يتمثل في، “تعزيز العمل اللائق والقدرة التنافسية، وتوحيد الجهود لتحسين سلامة وصحة العمال في جميع أنحاء العالم، والتغلب على التحديات التي تواجهها العمالة في البلدان النامية، والقضاء على عمالة الأطفال”.
كما أشار إلى العمل اللائق وأهداف التنمية المستدامة، فخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 أصبح العمل اللائق والركائز الأربع لخطة العمل اللائق -خلق فرص العمل، والحماية الاجتماعية، والحقوق في العمل، والحوار الاجتماعي- عناصر أساسية في استراتيجية التنمية المستدامة لعام 2030، ويهدف الهدف 8 من الاستراتيجية إلى تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمستدام والعمالة المنتجة والعمل اللائق، وهو أحد المجالات الرئيسة لمنظمة العمل الدولية، علاوًة على ذلك، فإن الجوانب الرئيسة للعمل اللائق مدمجة على نطاق واسع في أهداف العديد من الأهداف الستة عشر الأخرى للرؤية الإنمائية الجديدة للأمم المتحدة.
واستعرض التقرير أهم المؤشرات التفصيلية للعمل اللائق والنمو الاقتصادي على المستوى العالمي وفقاً لتقرير التنمية البشرية المستدامة لعام 2023، حيث أوضح أن نسبة الأشخاص البالغين الذين لديهم حساب في بنك أو مؤسسة مالية أخرى أو مع مزود خدمة الأموال عبر الهاتف المحمول تبلغ 69.6% كنسبة مئوية من السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا أو أكثر 2021، وبلغ معدل البطالة 6.1% (15 سنة فأكثر) عام 2023، ووصل ضحايا العبودية الحديثة 5.2 لكل ألف من السكان عام 2018، وبلغت نسبة حوادث العمل المميتة المرتبطة بالواردات 0.1 لكل 100 ألف من السكان عام 2018، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل بلغ -1.5% عام 2021، أما فيما يتعلق بمعدل البطالة كأحد المؤشرات الأساسية التي تعبر عن مدى توفر فرص العمل، فبصفة عامة هناك استقرار في معدل البطالة عالميًا خلال الفترة (2000 – 2023) باستثناء عام 2020 ليبلغ نحو 5.1% عام 2023 مقارنًة بنحو 6.1% في عام 2000.
تناول التقرير تحديات التوظيف في الدول النامية والتي قد تكون مشتركة، مشيراً إلى أن لكل منطقة في العالم تحديات مختلفة وذلك على النحو التالي:
-“منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” تنتشر هجرة اليد العاملة في هذه المنطقة وعادة ما تكون ظروف العمل غير مناسبة بالإضافة إلى عدم التوافق بين المهارات التي تتطلبها سوق العمل مع مخرجات العملية التعليمية وانخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل.
-“منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا” تعد الحماية الاجتماعية نادرة في هذه المنطقة كما أن بيئة العمل عادًة ما تكون محفوفة بالمخاطر بالإضافة إلى عمالة الأطفال، وأن أغلب الوظائف تعد غير رسمية -أكثر من 80% من الوظائف موجودة في الزراعة الأسرية أو العمل الحر غير الزراعية (المشروعات المنزلية) – وتشهد المنطقة أعلى معدلات من العمال الفقراء وأدنى مستويات من الالتحاق بالمدارس والتحصيل التعليمي في العالم.
-“أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي” على الرغم من ارتفاع معدل نمو القوى العاملة فإن أغلبهم يعملون في القطاع غير الرسمي كما تشهد المنطقة أعلى معدلات لغير الملتحقين بالتعليم أو العمل أو التدريب في المجموعات ذات الدخل المنخفض بالإضافة إلى ارتفاع معدل دوران وهجرة العمالة.
-“آسيا والمحيط الهادئ” تعاني هذه المنطقة من انخفاض مشاركة الإناث في القوى العاملة مع ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي، حيث تسجل جنوب آسيا أعلى معدلات للعاملين في القطاع غير الرسمي عالميًا، وترتفع معدلات البطالة بين الشباب وهناك فوارق كبيرة ومتفاقمة في الدخل علاوة على ذلك، تواجه المنطقة التحدي المتمثل في استيعاب عدد كبير من العمال المهاجرين.
-“أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى” تعاني المنطقة من انخفاض معدل مشاركة القوى العاملة وارتفاع معدل البطالة بشكل عام وخاصًة بين الشباب والنساء والأقليات العرقية.
واستعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال التقرير أبرز المؤشرات المتعلقة بسوق العمل في مصر وذلك على النحو التالي:
-أولًا قوة العمل والمشاركة في النشاط الاقتصادي: حيث أوضح أن سوق العمل المصرية تتسم بوفرة في عرض العمل نتيجة اتساع القاعدة العمرية للأفراد في سن العمل (أكثر من 15 عامًا) والتي تمثل أكثر من 65% من إجمالي السكان حتى يناير 2023، وقد شهدت سوق العمل المصرية ارتفاعًا في حجم القوى العاملة (الأفراد المتاحين للعمل سواء ملتحقين به فعلياً أو يبحثون عن العمل) ليمثل حوالي ثلث القوى البشرية المصرية (29.1%) في عام 2022 أي نحو 30.1 مليون فرد، مقابل 27.6 مليون فرد عام 2013، وقد بلغ معدل المساهمة في النشاط الاقتصادي (القوة العاملة /السكان في سن العمل) نحو 42.7% في عام 2022، وذلك من واقع بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويتضح أنه مع بلوغ الفرد سن 25 عامًا تبدأ المساهمة في النشاط الاقتصادي في الارتفاع بشكل ملحوظ، كما يتثمل العامل الأبرز لتراجع معدل مساهمة الإناث في عدم تفضيل السيدات الانخراط في النشاط الاقتصادي ولعل ذلك يتضح بتمركز النسبة الأكبر من الإناث المشاركات في النشاط الاقتصادي من أصحاب المؤهلات العلمية العليا وفوق العليا بنسبة (44%) في عام 2022، وتبلع نسبة الذكور العاملين بأجر 70.6% من إجمالي قوة عمل الذكور ونحو 58% للإناث من إجمالي القوى العاملة للإناث في مصر خلال 2022.
-ثانيًا حجم التشغيل: في ظل جهود توفير فرص عمل عبر الاستثمارات المنفذة (خاصة وعامة) وتشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال، ارتفعت نسب التشغيل لإجمالي قوة العمل لأكثر من 92.8% من إجمالي قوة العمل حيث بلغ عدد المشتغلين نحو 27.94 مليون مشتغل عام 2022، مقابل 86.8% من إجمالي قوة العمل في عام 2013، وقد بلغ معدل التشغيل 39.6% في عام 2022 (إجمالي المشتغلين/ عدد السكان في سن العمل) ولكنه كان مرتفع بين الذكور حيث وصل إلى 65.7% مقابل 12.2% للإناث، ورغم وجود فجوة بين معدل تشغيل الذكور والإناث، يرتفع معدل تشغيل الإناث بارتفاع درجة المؤهل التعليمي لهن، أي يصح القول بوجود علاقة طردية بين معدلات تشغيل الإناث والمستويات التعليمية بدءاً من حملة المؤهلات المتوسطة والفنية.
-ثالثًا معدل البطالة: في ظل جهود تضييق الفجوة بين حجم المشتغلين وحجم القوة العاملة تراجع عدد المتعطلين عن العمل من 3.6 ملايين متعطل -أي ما نسبته 13.2% من إجمالي قوة العمل في عام 2013- إلى 2.2 مليون متعطل -أي ما نسبته 7.2% من إجمالي قوة العمل في عام 2022-، وتجدر الإشارة إلى تراجع معدل البطالة بين الإناث لنحو 18.4% عام 2022 و16% في 2021، مقابل 24.2% من إجمالي القوة العاملة للإناث خلال 2013، وبالمثل تراجع معدل البطالة بين الذكور إلى 5% عام 2022 مقابل 9.8 عام 2013.
-رابعًا الاستقرار والأمان الوظيفي: وصلت نسبة المشتغلين في عمل دائم 73.8% من إجمالي المشتغلين في عام 2022 وهو ما يعكس ارتفاع حالة الاستقرار والأمان الوظيفي، ووصلت نسبة المشتركين في التأمينات الاجتماعية 43.4% من إجمالي المشتغلين بأجر في كل القطاعات، وكانت الإناث الأعلى من حيث الاشتراك في التأمينات الاجتماعية وذلك بنسبة 70.7% من إجمالي المشتغلين بأجر.
كما استعرض التقرير الأطر الحاكمة لبيئة العمل اللائق على المستوى التشريعي والمؤسسي، بالإضافة إلى جهود الدولة المصرية لتوفير بيئة ملائمة للعمل اللائق ومنها تعزيز الحوار الاجتماعي حيث تحرص الدولة المصرية على تعزيز الحوار المجتمعي عن طريق التنظيم الرقابي وتفيل دور المجلس الأعلى للحوار المجتمعي بحيث يشارك في خلق بيئة محفزة على التعاون وتبادل المعلومات واقتراح الحلول لتجنب منازعات العمل الجماعية، وقد تكللت تلك الجهود بعدم إدراج مصر ضمن القوائم السوداء في ملف العمل والقائمة الطويلة للملاحظات التي تضم 40 دولة حول العالم الصادرة في مايو 2023 عن منظمة العمل الدولية.
بالإضافة إلى توفير فرص عمل كافية وتشجيع الاستثمار والتدريب حيث تشجع الدولة المصرية على زيادة معدل التشغيل وإقامة المشروعات الخاصة من خلال منح مزايا مالية وضريبية للاستثمارات كثيفة العمالة ولمشروعات ريادة الأعمال والصغيرة ومتناهية الصغر، وقد بلغ إجمالي المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر 1.9 مليون مشروع خلال الفترة (يوليو 2014 حتى أكتوبر 2023) وقد وفرت تلك المشروعات نحو 3 ملايين فرصة عمل، وفي سياق التدريب جاء من أبرز المبادرات في هذا الشأن مشروع “مهني 2030” لتدريب مليون فرد على المهن التي تحتاج إليها سوق العمل في الداخل والخارج وبرنامج “طفرة” لتدريب 6400 من العمالة غير المنتظمة من سكان المناطق المطورة بديلة العشوائيات.
وعلى مستوى المساواة في الفرص والمعاملة: بلغت أرصدة التمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر الموجهة للنساء 45% خلال الفترة من يوليو 2014 حتى أكتوبر 2023 من إجمالي قروض المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بتكلفة حوالي 14.7 مليار جنيه وذلك وفقاً لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
أما على مستوى الحماية والرعاية الاجتماعية فقد حرصت الدولة على توفير مظلة تأمينية موحدة لجميع العاملين بالدولة، كما حرصت على حماية فرص العمل في فترات الأزمات من خلال صندوق إعانات طوارئ العمال، وقد بلغ عدد العمالة خارج المنشأة غير المنتظمة التي استفادت من التعويض الشهري خلال أزمة جائحة كورونا 1.5 مليون عامل، كما تم استحداث “بند الحوادث” على منظومة العمالة غير المنتظمة بوزارة العمل، وخلال السنوات العشر الماضية تم استخراج أكثر من 237.237 بوليصة تأمين للعمالة غير المنتظمة بتكلفة قدرها 15 مليون جنيه تغطي حالات العجز الجزئي والكلي والوفاة.
وبخصوص توفير بيئة عمل مستقرة وآمنة، حرصت الدولة المصرية ممثلة في وزارة العمل على توفير بيئة عمل آمنة وقد تم تنفيذ عشرات المبادرات منها “سلامتك تهمنا”، “أعرف /أحمي نفس”، “مفتش جديد”، “صحتك غالية علينا”، وفي ظل تكثيف التفتيش على اشتراطات السلامة والأمان تراجع معدل تكرار إصابات العمل لنحو 1.4 تكرار إصابة لكل مليون ساعة عمل في عام 2021 مقابل 4.4 تكرارات إصابة لكل مليون ساعة عمل خلال 2010.
وقد استعرض التقرير في ختامه أبرز التجارب الدولية الرائدة في تطبيق معايير العمل اللائق وفي هذا الإطار تم اختبار الدول التي أظهرت نجاحًا في تحقيق الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بـ “العمل اللائق والنمو الاقتصادي” وفي الوقت نفسه حققت درجة مرتفعة في قيمة المؤشر الإجمالي للتنمية المستدامة.